وقال أبو قلابة لرجل : لأن أراك تطلب معاشك أحبّ إليّ من أن أراك في زاوية المسجد.
قال الغزالي : التكسب أفضل لقدر الكفاية له ، ولعوله لا لطلب الزائد ؛ لأن ذلك إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة ، ولو كان يحصل رزقه بغير سؤال فالتكسب أفضل ؛ لأنه إذا انقطع عن التكسب فهو سائل بلسان الحال ، إلا لمن تقدم أنه مستثنى ، وهذا مذهب جماهير العلماء.
وقال قوم من المتصوفة : إن الكسب حرام ، وهو خطأ وهو مخالف لأدلة العقل والسمع ، لا يقال : إن ذلك يؤدي إلى معاونة الظلمة بأخذ الجبايات ؛ لأنه لم يرد ذلك ، ولو لزم هذا لزم أن لا تزرع أرض ولا يملك ماشية خوفا من الظلمة والسباع ، وهذا خارج بالإجماع.
لا يقال : قد اختلط الحلال بالحرام فلا يأمن أن يواقع الحرام ؛ لأنه ما كلف إلا ما يطيق من البعد عمن في يده الحرام ، والظاهر من أمواله ذلك ، وهذا مسألة لها تعلق بعلم الفقه ، وعلم الكلام.
الثمرة الثانية : تعلق بقوله تعالى : (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ).
أي : أنهم لا يرضون بمشاركة مماليكهم فيما ملكت أيمانهم ، وفي هذا إشارة إلى أنه لا تجب المساواة بينهم وبين مماليكهم ، لأنه تعالى ذكر ذلك عقيب خبره تعالى بالتفضيل في الرزق ، وإن من عادة المالكين أنهم لا يرضون بالمشاركة ، ولم يمنعهم من ذلك ، ولكن المشاركة والمساواة مستحبة.
قال جار الله ـ رحمهالله ـ : ويحكى أنه لما سمع أبو ذر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون ، وأطعموهم مما تأكلون»