(أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا؟) وليس فيه أيّ إشارة إلى كذّاب اليمامة؟
قال أبو جعفر الطبري : وقد زعم بعض أهل الغباء أنّ العرب كانت لا تعرف «الرحمان» ولم يكن ذلك في لغتها ، ولذلك قال المشركون للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا) إنكارا منهم لهذا الاسم! كأنّه كان محالا عنده أن ينكر أهل الشرك ما كانوا عالمين بصحّته ، أو كأنّه لم يتل من كتاب الله قول الله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) ـ يعني محمدا ـ (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) وهم مع ذلك به مكذّبون ولنبوّته جاحدون. فيعلم بذلك أنّهم قد كانوا يدافعون حقيقة ما قد ثبت عندهم صحّته واستحكمت لديهم معرفته. وقد أنشد لبعض الجاهليّة الجهلاء :
ألا ضربت تلك الفتاة هجينها |
|
ألا قضب الرحمان ربّي يمينها |
وقال سلامة بن جندل الطهوي :
عجلتم علينا عجيلتنا عليكم |
|
وما يشأ الرحمان يعقد ويطلق (١) |
[١ / ٣٧٦] وهكذا أخرج أبو داوود في مراسيله عن سعيد بن جبير قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بمكة ، وكان أهل مكة يدعون مسيلمة : الرحمان. فقالوا : إنّ محمّدا يدعو إلى إله اليمامة ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بإخفائها ، فما جهر بها حتّى مات (٢).
[١ / ٣٧٧] وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : الجهر ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) قراءة الأعراب! (٣)
[١ / ٣٧٨] وأخرج ابن أبي شيبة عن إبراهيم [النخعي] قال : جهر الإمام ب (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بدعة (٤).
كما نستغرب ما أخرجه أبو جعفر النحاس في معاني القرآن وابن جرير الطبري في التفسير بالإسناد إلى عطاء الخراساني ، قال : كان «الرحمان». فلمّا اختزل «الرحمان» من اسمه تعالى صار (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)! (٥)
__________________
(١) الطبري ١ : ٨٧ ـ ٨٨.
(٢) الدرّ ١ : ٢٩ ؛ المراسيل : ٨٩ / ٣٤ ، باب ٩ (ما جاء في الجهر ببسم الله).
(٣) الدرّ ١ : ٢٩ ؛ المصنّف ١ : ٤٤٨ ؛ كنز العمّال ٨ : ١١٩ / ٢٢١٨١ ؛ مجمع الزوائد ٢ / ١٠٨.
(٤) الدرّ ١ : ٢٩ ـ ٣٠ ؛ المصنّف ١ : ٤٤٨ / ١١ ، كتاب الصلاة ، باب ١٩٣ (من كان يجهر ببسم الله ...).
(٥) معاني القرآن ١ : ٥٣ ـ ٥٤ ؛ الطبري ١ : ٨٧ / ١٢٤.