مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧)
____________________________________
مِنَ الطَّيِّباتِ) حيث تفضلنا عليهم ببركات الأرض والسماء (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أي عالمي زمانهم ، فإن كل جيل عالم ، وكل قرن عالم ، وهذا هو المتبادر من هذه الجملة ـ كما ذكرنا سابقا ـ لا جميع العوالم من الأولين والآخرين ، فلو قال أحد إن الدولة الفلانية أقوى الدول ، كان المتبادر منه ، الدول المعاصرة لها لا دول الملوك ماضيا ومستقبلا إلى الأبد.
[١٨] (وَآتَيْناهُمْ) أي أعطيناهم (بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) أي دلالات وبراهين واضحات من أمر الدين والدنيا ، فإن الدين والدنيا يحتاجان إلى مبيّن وموضّح لمسالكهما ، والأنبياء دائما يأتون بذلك ، مثلا يبينون أن الصوم جنة من النار ، أن الحجامة وقاية من الأمراض فاختلفوا ، وقابلوا الإحسان بالكفران ، وقد كانوا هم الأمة الوحيدة الموجهة للعالم التي بيدها قيام الدين والدنيا ـ حتى أن عيسى عليهالسلام كان شارحا وموضحا ، لا ناسخا ـ وما (اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) بأن علموا الحق من الباطل ومع ذلك اختلفوا فيه (بَغْياً) أي حسدا وظلما (بَيْنَهُمْ) فحسد بعضهم بعضا ، فتركوا الحق إلى الباطل انتقاما لذلك التمسك بالحق ـ كما نرى شبهه في زماننا هذا ـ (إِنَّ رَبَّكَ) يا رسول الله (يَقْضِي بَيْنَهُمْ) أي بين المختلفين من بني إسرائيل (يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) فمثلا آمن بعضهم بعيسى ولم يؤمن بعضهم ،