وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣)
____________________________________
السماوات وإفراد الأرض (وَما بَيْنَهُما) في كل خلل وفرج منهما ، كالإنسان والملك ونحوهما ، فالمخلوقات فيهما باعتبار ، وبينهما باعتبار آخر (إِلَّا بِالْحَقِ) لا هزوا ولا لعبا ، والمراد بالحق المطابق للصلاح ، خلافا للهزو الذي ليس مطابقا للصلاح ، لا يقال قدر من اللعب أيضا مطابق للصلاح ، ولذا أجاز يعقوب عليهالسلام أن يلعب أولاده ، لأنه يقال ذلك يصلح للإنسان المخلوق بهذه الكيفية الخاصة ، الذي لا يقدر من العمل الجدّي المستمر فيحتاج إلى الترفيه ، لا بالنسبة إلى الله الذي لا يتعب ولا يمسه لغوب (وَ) إلا إلى (أَجَلٍ) زمان (مُسَمًّى) سمي عندنا إذا انتهى ذلك الأجل هلكت السماوات والأرض وما بينهما (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ) (١) فليس الخلق فوضى في المدة ، كما يزعمه الجاهلون ثم إن الأجل له إطلاقات «القطعة من الزمان» مثل إن أجل زيد خمسون سنة ، و «آخر الزمان» مثل إن أجل زيد إلى سنة ألف وأربعمائة من الهجرة وكلاهما محتمل في الآية الكريمة (وَ) مع ذلك (الَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا) من العقاب في الدنيا لمخالف قوانين الله ، فكل من لم يعمل بالشريعة وجد ضنك العيش (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) (٢) ومن العقاب في الآخرة بالنار والجحيم (مُعْرِضُونَ) فلا يعملون بالأوامر ، مع أن الخلق بالحق ، وإن المدة قصيرة ذات أجل ، وقد كان مقتضى العقل أن يعمل الذين كفروا بالإنذار ، بعد ما يشاهدون من حقيقة الخلق وبعد ما
__________________
(١) القصص : ٨٩.
(٢) طه : ١٢٥.