حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
____________________________________
[٢] (حم) رمز بين الله والرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم والراسخين في العلم ، ولعله يأتي زمان يدرك الناس هذا الكنز المعنوي ، كما انه لا يمر زمان إلا ويدرك الناس كنوزا كونية ، فإن العلوم كلها قوانين وضعها الله في الكون ، مثل قانون جاذبية الأرض وقانون أرخميدس في الماء وقانون الأطياف في النور وغيرها ، وإذا كان رمزا لم يلزم أن يعرفه الكل ، فإن الرموز بين رؤساء الحكومات وكبار أعضاء الدولة في صلاح الناس ، وإن كان كل الناس لا يعرفونها.
[٣] إن هذا القرآن هو (تَنْزِيلُ الْكِتابِ) وإنما قال «تنزيل» لأنه أنزل من فوق أي الفوق المعنوي لأن الله سبحانه أرفع من الكل ، كما يقال في العرف أن الأمر صدر من الجهات العليا ، يريدون جهة السلطان ، وإن كان بيت السلطان تحت الجبل ، والمأمور فوق الجبل مثلا ، إذ السلطان أعلى رتبة من السوقة والمأمورين (مِنَ اللهِ) لا من الجن ، بالكهانة ، ولا من لسان أعجمي ، ولا من نفس محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم كما كانوا يرمون القرآن بكل ذلك (الْعَزِيزِ) فبعزته أرسل رسولا وأنزل دستورا ، إذ لو لا العزة لم يكن له ذلك (الْحَكِيمِ) الحكمة وضع الأشياء موضعها ؛ فإنزاله الكتاب إنما هو حسب الحكمة ، لإصلاح الدين والدنيا ، وقد كان الله قادرا على أن يخلق الكون مثل ما ينتهي إليه في آخر نقطة من الكمال ، إلا أن هذا اللون من الخلق كان يتطلب بلسان الحال إفاضة الوجود والله فياض مطلق لا بخل فيه ، ولذا خلق هذا اللون المتدرج في الصعود أيضا.
[٤] (ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) تقدم في آخر سورة الجاثية وجه جمع