محمد بن إسماعيل ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد عن عبيد (١) الله بن أبي بكر [بن أنس](٢) عن أنس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «وكل الله بالرحم ملكا فيقول : أي ربّ نطفة ، أي ربّ علقة ، أي رب مضغة ، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها قال : يا رب أذكر أم أنثى ، أشقي أم سعيد؟ فما الرزق فما الأجل؟ فيكتب ذلك (٣) في بطن أمه».
وقال جماعة : معنى الآية إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا ، لأن الله تعالى ذكر الخلق ثم وصفهم بفعلهم ، فقال (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ، كما قال الله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) [النور : ٤٥] فالله خلقهم والمشي فعلهم ثم اختلفوا في تأويلها.
فروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال : فمنكم كافر في حياته مؤمن في العاقبة ، ومنكم مؤمن في حياته كافر في العاقبة. وقال عطاء بن أبي رياح : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب. وقيل : فمنكم كافر بأن الله تعالى خلقه وهو مذهب الدهرية ، ومنكم مؤمن بأن الله خلقه. وجملة القول فيه : أن الله خلق الكافر ، وكفره فعلا له وكسبا ، وخلق المؤمن ، وإيمانه فعلا له وكسبا ، فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته. فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الإيمان لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه ، والكافر بعد خلق الله تعالى إياه يختار الكفر لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه ، وهذا طريق أهل السنة والجماعة من سلكه أصاب الحق وسلم من الجبر والقدر.
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
(وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤) أَلَمْ يَأْتِكُمْ) ، يخاطب كفار مكة ، (نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) ، يعني الأمم الخالية ، (فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) ، يعني ما لحقهم من العذاب في الدنيا ، (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، في الآخرة.
(ذلِكَ) ، العذاب ، (بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا) ، ولم يقل يهدينا لأن البشر وإن كان لفظه واحد فإنه في معنى الجمع ، وهو اسم الجنس لا واحد له من لفظه ، وواحده إنسان ، ومعناه ينكرون ويقولون آدمي مثلنا يهدينا ، (فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ) ، عن إيمانهم ، (وَاللهُ غَنِيٌ) ، عن خلقه ، (حَمِيدٌ) ، في أفعاله ، ثم أخبر عن إنكارهم البعث.
(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٠) ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ
__________________
ـ وأخرجه البخاري ٣١٨ و ٣٣٣٣ ومسلم ٢٦٤٦ من طريق حماد بن زيد به.
(١) تصحف في المطبوع «عبيد».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «كذلك».