اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٢) اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣))
فقال جلّ ذكره : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ) ، يا محمد ، (بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا) ، وهو القرآن ، (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ) ، يعني يوم القيامة يجمع فيه أهل السموات والأرض ، (ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ) ، وهو تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ ، والمراد بالمغبون من غبن عن أهله ومنازله في الجنة فيظهر يومئذ غبن كل كافر بتركه الإيمان ، وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان ، (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، قرأ أهل المدينة والشام نكفر وندخله ، وفي سورة الطلاق [١١] ندخله بالنون فيهن وقرأ الآخرون بالياء ، (خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ خالِدِينَ فِيها وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٠).
(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، بإرادته وقضائه ، (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) ، فيصدق أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله ، (يَهْدِ قَلْبَهُ) ، يوفقه لليقين حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلّم لقضائه ، (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).
(وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (١٢).
(اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (١٣).
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤) إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٥) فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦))
قوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ).
قال ابن عباس : هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يهاجروا إلى المدينة فمنعهم أزواجهم وأولادهم ، وقالوا صبرنا على إسلامكم فلا نصبر على فراقكم فأطاعوهم ، وتركوا الهجرة ، فقال تعالى (فَاحْذَرُوهُمْ) (١) أن تطيعوهم وتدعو الهجرة ، (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، هذا فيمن أقام على الأهل والولد ولم يهاجر فإذا هاجر رأى الذين سبقوه بالهجرة وقد فقهوا في الدين هم أن يعاقب زوجته وولده الذين ثبطوه عن الهجرة ، وإن لحقوا في دار الهجرة لم ينفق عليهم ولم يصبهم بخير ، فأمرهم الله عزوجل بالعفو عنهم والصفح.
وقال عطاء بن يسار : نزلت في عوف بن مالك الأشجعي : كان ذا أهل وولد وكان إذا أراد الغزو بكوا إليه ورققوه ، وقالوا إلى من تدعنا فيرق لهم ويقيم ، فأنزل الله (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) بحملهم إياكم على ترك الطاعة ، فاحذروهم أن تقبلوا منهم ، (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا) فلا تعاقبوهم على خلافهم إياكم فالله غفور رحيم.
__________________
(١) سقط من المخطوط.