منهن» فلما خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم قرعت حفصة الجدار الذي بينها وبين عائشة فقالت : ألا أبشرك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد حرم عليه أمته مارية ، وقد أراحنا الله منها وأخبرت عائشة بما رأت وكانتا متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم ، فغضبت عائشة فلم تزل بنبي الله صلىاللهعليهوسلم حتى حلف أن لا يقربها ، فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) يعني العسل ومارية (تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وأمره أن يكفر يمينه ويراجع أمته ، فقال :
(قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢) وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣))
(قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) ، أي بيّن وأوجب أن تكفروها إذا حنثتم وهي ما ذكر في سورة المائدة [٨٩] (وَاللهُ مَوْلاكُمْ) ، وليكم وناصركم ، (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
واختلف أهل العلم في لفظ التحريم ، فقال قوم : ليس هو بيمين فإن قال لزوجته أنت علي حرام أو حرمتك فإن نوى به طلاقا فهو طلاق ، وإن نوى به ظهارا فظهار ، وإن نوى تحريم ذاتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين بنفس اللفظ ، وإن قال ذلك لجاريته فإن نوى عتقا عتقت ، وإن نوى تحريم ذاتها أو أطلق فعليه كفارة اليمين ، فإن قال لطعام حرمته على نفسي فلا شيء عليه ، وهذا قول ابن مسعود وإليه ذهب الشافعي ، وذهب جماعة إلى أنه يمين ، فإن قال ذلك لزوجته أو جاريته فلا تجب عليه الكفارة ما لم يقربها ، كما لو حلف أن لا يطأها وإن حرم طعاما فهو كما لو حلف أن لا يأكله فلا كفارة عليه ما لم يأكل ، يروى ذلك عن أبي بكر وعائشة ، وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة رضي الله عنه.
[٢٢٣٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا معاذ بن فضالة ثنا هشام عن يحيى عن ابن حكيم وهو يعلى بن حكيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في الحرام يكفّر ، وقال ابن عباس : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب : ٢١].
(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً) ، وهو تحريم فتاته على نفسه ، وقوله لحفصة : «لا تخبري بذلك أحدا» وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : أسرّ أمر الخلافة بعده فحدثت به حفصة. قال الكلبي : أسر إليها أن أباك وأبا عائشة يكونان خليفتين على أمتي من بعدي. وقال ميمون بن مهران : أسر إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي. (فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ) ، أخبرت به حفصة عائشة ، (وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ) ، أي أطلع الله تعالى نبيه على أنها أنبأت به ، (عَرَّفَ بَعْضَهُ) ، قرأ [أبو](١) عبد الرحمن السلمي والكسائي عرف بتخفيف الراء أي عرف بعض الفعل الذي فعلته من إفشاء سره ، أي غضب من ذلك عليها وجازاها به ،
__________________
[٢٢٣٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، فقد تفرد عن معاذ.
ـ هشام هو ابن عبد الله ، يحيى هو ابن أبي كثير.
ـ وهو في «شرح السنة» ٢٣٥٠ بهذا الإسناد.
ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٩١١ عن معاذ بن فضالة بهذا الإسناد.
ـ وأخرجه البخاري ٥٢٦٦ ومسلم ١٤٧٣ من طريقين عن يحيى بن كثير به.
(١) سقط من المطبوع.