(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ) ، بأن أنذر قومك ، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، المعنى : إنا أرسلناه لينذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا.
(قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٢) ، أنذركم وأبيّن لكم. رسالة الله بلغة تعرفونها.
(أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ) (٣) (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ، (مِنْ) صلة أي يغفر لكم ذنوبكم. وقيل : يعني ما سلف من ذنوبكم إلى وقت الإيمان ، وذلك بعض ذنوبهم ، (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) ، أن يعافيكم إلى منتهى آجالكم فلا يعاقبكم ، (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، يقول آمنوا قبل الموت ، تسلموا من العذاب ، فإن أجل الموت إذا جاء لا يؤخر ولا يمكنكم الإيمان.
(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) ، نفارا وإدبارا عن الإيمان.
(وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) ، إلى الإيمان بك ، (لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) ، لئلا يسمعوا دعوتي ، (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) ، غطوا بها وجوههم لئلا يروني ، (وَأَصَرُّوا) ، على كفرهم. (وَاسْتَكْبَرُوا) ، عن الإيمان بك ، (اسْتِكْباراً).
(ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) (٨) ، معناه : بالدعاء. قال ابن عباس : بأعلى صوتي.
(ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦) وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً (١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً (٢٠) قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (٢١) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣))
(ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ) ، أي كررت الدعاء معلنا ، (وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) ، قال ابن عباس : يريد الرجل بعد الرجل أكلمه سرا بيني وبينه ، أدعوه إلى عبادتك وتوحيدك.
(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) (١١) ، وذلك أن قوم نوح لما كذبوه زمانا طويلا حبس الله عنهم المطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة ، فهلكت أولادهم وأموالهم ومواشيهم ، فقال لهم نوح : استغفروا ربكم من الشرك ، أي استدعوا المغفرة بالتوحيد ، يرسل السماء عليكم مدرارا. وروى مطرف عن الشعبي أن عمر رضي الله تعالى عنه خرج يستسقي بالناس ، فلم يزد على الاستغفار حتى رجع ، فقيل له : ما سمعناك استسقيت؟ فقال : طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر ، ثم قرأ : (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً).
(وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) ، قال عطاء : يكثر أموالكم وأولادكم ، (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) (١٣) ، قال ابن عباس ومجاهد : لا ترون لله عظمة. وقال سعيد بن جبير : ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته. وقال الكلبي : لا تخافون لله عظمة (١) والرجاء : بمعنى الخوف ، والوقار : العظمة ، اسم من التوقير وهو التعظيم. قال الحسن : لا تعرفون لله حقا ولا تشكرون له نعمة. قال ابن
__________________
(١) في المطبوع «الله حق عظمته».