(وَأَنَّهُ) ، قرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة ، وقرأ الباقون بفتحها ، (لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ) ، يعني النبي صلىاللهعليهوسلم ، (يَدْعُوهُ) ، يعني يعبده ويقرأ القرآن وذلك حين كان يصلي ببطن نخلة ويقرأ القرآن ، (كادُوا) ، يعني الجن ، (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) ، أي يركب بعضهم بعضا ، ويزدحمون حرصا على استماع القرآن ، هذا قول الضحاك ورواية عطية عن ابن عباس. وقال سعيد بن جبير عنه : هذا من قول النفر الذين رجعوا إلى قومهم من الجن أخبروهم بما رأوا من طاعة أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم واقتدائهم به في الصلاة. وقال الحسن وقتادة وابن زيد : يعني لما قام عبد الله بالدعوة تلبدت الإنس والجن ، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاءهم به ، ويطفئوا نور الله فأبى الله إلا أن يتم نوره ، ويتم هذا الأمر وينصره على من ناوأه. وقرأ هشام عن ابن عامر (لِبَداً) بضم اللام ، وأصل اللبد الجماعات بعضها فوق بعض ، ومنه سمي اللبد الذي يفرش لتراكمه وتلبد الشعر إذا تراكم.
(قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً (٢٤) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧))
(قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) ، قرأ أبو جعفر وعاصم وحمزة (قُلْ) على الأمر ، وقرأ الآخرون قال يعني رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنما أدعو ربي» ، قال مقاتل : وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : لقد جئت بأمر عظيم فارجع عنه فنحن نجيرك ، فقال لهم : «إنما أدعو ربي» ، (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً).
(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا) ، لا أقدر أن أدفع عنكم ضرا ، (وَلا رَشَداً) ، أي لا أسوق لكم أو إليكم رشدا ، أي خيرا يعني أن الله يملكه.
(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) ، لن يمنعني منه أحد إن عصيته. (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) ، ملجأ أميل إليه. ومعنى الملتحد أي المائل ، قال السدي : حرزا. وقال الكلبي : مدخلا في الأرض مثل السرب.
(إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) ، ففيه الجوار والأمن والنجاة ، قاله الحسن. قال مقاتل : ذلك الذي يجيرني من عذاب الله ، يعني التبليغ. وقال قتادة : إلا بلاغا من الله فذلك الذي أملكه بعون الله وتوفيقه.
وقيل : لا أملك لكم ضرا ولا رشدا لكن أبلغ بلاغا من الله فإنما أنا مرسل به لا أملك إلا ما ملكت. (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) ، ولم يؤمن ، (فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً).
(حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) ، يعني العذاب يوم القيامة ، (فَسَيَعْلَمُونَ) ، عند نزول العذاب ، (مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) ، أهم أم المؤمنون.
(قُلْ إِنْ أَدْرِي) ، أي ما أدري ، (أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) ، من العذاب وقيل : القيامة ، (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) أجلا وغاية تطول مدتها يعني : أن علم وقت العذاب غيب لا يعلمه إلا الله (عالِمُ الْغَيْبِ) رفع على نعت ، قوله (رَبِّي) ، وقيل : هو عالم الغيب : (فَلا يُظْهِرُ) ، لا يطلع ، (عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) ، إلا من يصطفيه لرسالته فيظهره على ما يشاء من الغيب لأنه يستدل على نبوته بالآية المعجزة التي تخبر عن الغيب ، (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) ، ذكر بعض الجهات دلالة على