أريكة إلا إذا اجتمعا ، (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) ، أي صيفا ولا شتاء. قال مقاتل ؛ يعني شمسا يؤذيهم حرها ولا زمهريرا يؤذيهم برده ، لأنهما يؤذيان في الدنيا. والزمهرير : البرد الشديد.
(وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها) ، أي قريبة منهم ظلال أشجارها ، ونصب (دانِيَةً) ، بالعطف على قوله (مُتَّكِئِينَ) ، وقيل : على موضع قوله : (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) ، ويرون (وَدانِيَةً) ، وقيل : على المدح ، (وَذُلِّلَتْ) ، سخرت وقربت ، (قُطُوفُها) ، ثمارها ، (تَذْلِيلاً) ، يأكلون من ثمارها قياما وقعودا ومضطجعين ويناولونها كيف شاءوا على أي حال كانوا.
(وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا (١٥) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) قال المفسرون : أراد بياض الفضة في صفاء القوارير ، فهي من فضة في صفاء الزجاج ، يرى ما في داخلها من خارجها.
قال الكلبي : إن الله جعل قوارير كل قوم من تراب أرضهم ، وإن أرض الجنة من فضة ، فجعل منها قوارير يشربون فيها ، (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) ، قدروا الكأس على قدر ريّهم (١) لا تزيد ولا تنقص ، أي قدرها لهم السقاة والخدم الذين يطوفون عليهم يقدرونها ثم يسقون.
(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً (١٧) عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً (١٨) وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً (١٩) وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١))
(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) (١٧) ، يشوق ويطرب ، والزنجبيل : مما كانت العرب تستطيبه جدا ، فوعدهم الله تعالى أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة. قال مقاتل : لا يشبه زنجبيل الدنيا. قال ابن عباس : كل ما ذكر الله [في] القرآن مما في الجنة وسماه ليس له في الدنيا مثل. وقيل : هو عين في الجنة يوجد منها طعم الزنجبيل. قال قتادة : يشربها المقربون صرفا ، ويمزج لسائر أهل الجنة.
(عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) (١٨) ، قال قتادة (٢) : سلسة منقادة لهم يصرفونها حيث شاءوا ، قال مجاهد : حديدة الجرية.
قال أبو العالية ومقاتل بن حيان : سميت سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق وفي منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان وشراب الجنة على برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك. قال الزجاج : سميت سلسبيلا لأنها في غاية السلاسة تتسلسل في الحلق ، ومعنى قوله : (تُسَمَّى) أي توصف لأن أكثر العلماء على أن سلسبيلا صفة لا اسم.
(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) (١٩) ، قال عطاء : يريد في بياض اللؤلؤ وحسنه واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط ، كان أحسن منه منظوما. وقال أهل المعاني : إنما شبهوا بالمنثور لانتثارهم في الخدمة ، فلو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم.
__________________
(١) تصحف في المطبوع «ربهم».
(٢) تصحف في المخطوط «مقاتل».