(وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) ، أي إذا رأيت ببصرك ونظرت به ثم يعني في الجنة ، (رَأَيْتَ نَعِيماً) ، لا يوصف ، (وَمُلْكاً كَبِيراً) ، وهو أن أدناهم منزلة ينظر إلى ملكه في مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه. وقال مقاتل والكلبي : هو أن رسول رب العزة من الملائكة لا يدخل عليه إلا بإذنه. وقيل : ملكا لا زوال له.
(عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ) ، قرأ أهل المدينة وحمزة (عالِيَهُمْ) ساكنة الياء مكسورة الهاء ، فيكون في موضع رفع بالابتداء ، وخبره ثياب سندس ، وقرأ الآخرون بنصب الياء وضم الهاء على الصفة ، أي فوقهم وهو نصب على الظرف ثياب سندس. (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) ، قرأ نافع وحفص (خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ) مرفوعان عطفا على الثياب ، وقرأهما حمزة والكسائي مجرورين ، وقرأ ابن كثير وأبو بكر (خُضْرٌ) بالجر (وَإِسْتَبْرَقٌ) بالرفع ، وقرأ أبو جعفر وأهل البصرة والشام على ضده فالرفع على نعت الثياب والجر على نعت السندس. (وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً) ، قيل : طاهرا من الأقذار والأقذاء لم تدنسه الأيدي والأرجل كخمر الدنيا. وقال أبو قلابة وإبراهيم : إنه لا يصير بولا نجسا ولكنه يصير رشحا في أبدانهم ، ريحه كريح المسك ، وذلك أنهم يؤتون بالطعام فيأكلون ، فإذا كان آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور ، فيشربون فتطهر بطونهم ويصير ما أكلوا رشحا يخرج من جلودهم أطيب من المسك الإذفر ، وتضمر بطونهم وتعود شهوتهم. وقال مقاتل : هو عين ماء على باب الجنة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد.
(إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (٢٢) إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً (٢٣) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (٢٤) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٢٥) وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً (٢٦) إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً (٢٧) نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً (٢٨))
(إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً) (٢٢) ، أي ما وصف من نعيم الجنة كان لكم جزاء بأعمالكم وكان سعيكم عملكم في الدنيا بطاعة الله مشكورا ، قال عطاء : شكرتكم عليه وأثبتكم أفضل الثواب.
قوله عزوجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً) (٢٣) ، قال ابن عباس : متفرقا آية بعد آية ، ولم ينزل جملة واحدة.
(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ) ، يعني من مشركي مكة ، (آثِماً أَوْ كَفُوراً) ، يعني وكفورا ، والألف صلة ، قال قتادة : أراد بالآثم والكفور أبا جهل وذلك أنه لما فرضت الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم نهاه أبو جهل عنها ، وقال : لئن رأيت محمدا يصلي لأطأنّ عنقه. وقال مقاتل : أراد بالآثم عتبة بن ربيعة ، وبالكفور الوليد بن المغيرة ، قالا للنبي صلىاللهعليهوسلم : إن كنت صنعت ما صنعت لأجل النساء والمال فارجع عن هذا الأمر ، قال عتبة : فأنا أزوجك ابنتي وأسوقها إليك بغير مهر ، وقال الوليد : أنا أعطيك من المال حتى ترضى ، فارجع عن هذا الأمر ، فأنزل الله هذه الآية (١).
__________________
(١) باطل بهذا اللفظ ، عزاه المصنف لمقاتل ، وإسناده إليه في أول الكتاب ، وهو معضل ، ومقاتل إن كان ابن حيان فذو مناكير ، وإن كان ابن سليمان ، فهو كذاب ، والأشبه هذا الأخير ، والصواب أن الآية عامة في كل آثم ، وتقدم عرض الوليد وعتبة هذا في سورة «ص» بغير هذا السياق!