عبد الله بن تامر (١) ، وكان أبوه قد سلمه إلى معلم يعلمه السحر فكره ذلك الغلام ولم يجد بدا من طاعة أبيه فجعل يختلف إلى المعلم وكان في طريقه راهب حسن القراءة حسن الصوت ، فأعجبه ذلك ، وذكر قريبا من معنى حديث صهيب إلى أن قال الغلام للملك : إنك لا تقدر على قتلي إلا أن تفعل ما أقول لك ، قال : فكيف أقتلك؟ قال : تجمع أهل مملكتك وأنت على سريرك فترميني بسهم باسم إلهي ، ففعل الملك فقتله ، فقال الناس : لا إله إلا الله إله عبد الله بن تامر لا دين إلا دينه ، فغضب الملك وأغلق باب المدينة وأخذ أفواه السكك وخدّ أخدودا وملأه نارا ثم عرضهم رجلا رجلا فمن رجع عن الإسلام تركه ، ومن قال : ديني دين عبد الله بن تامر ألقاه في الأخدود فأحرقه ، وكان في مملكته امرأة أسلمت فيمن أسلم ولها أولاد ثلاث أحدهم رضيع ، فقال لها الملك : ارجعي عن دينك وإلا ألقيتك وأولادك في النار ، فأبت فأخذ ابنها الأكبر فألقاه في النار ، ثم قال لها : ارجعي عن دينك ، فأبت ، فألقى الثاني في النار ، ثم قال لها : ارجعي ، فأبت ، فأخذوا الصبي منها ليلقوه في النار فهمت المرأة بالرجوع ، فقال الصبي : يا أماه لا ترجعي عن الإسلام فإنك على الحق ، ولا بأس عليك ، فألقى الصبي في النار ، وألقيت أمه على أثره.
وقال سعيد بن جبير وابن أبزى : لما انهزم أهل اسفندهار قال عمر بن الخطاب : أي شيء يجري على المجوس من الأحكام فإنهم ليسوا بأهل كتاب ، فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : بلى قد كان لهم كتاب وكانت الخمر أحلت لهم فتناولها ملك من ملوكهم فغلبته على عقله فتناول أخته فوقع عليها فلما ذهب عنه السكر ندم ، وقال لها : ويحك ما هذا الذي أتيت ، وما المخرج منه قالت : المخرج منه أن تخطب الناس ، وتقول : إنّ الله قد أحل نكاح الأخوات فإذا ذهب في الناس وتناسوه خطبتهم فحرمته ، فقام خطيبا فقال : إن الله قد أحل لكم نكاح الأخوات ، فقال الناس بأجمعهم معاذ الله أن نؤمن بهذا ، أو نقربه ، وما جاءنا به نبي ولا أنزل علينا فيه كتاب ، فبسط فيهم السوط فأبوا أن يقروا فجرد فيهم السيف. فأبوا أن يقروا. فخدّ لهم أخدودا وأوقد فيه النيران وعرضهم عليها فمن أبى ولم يطعه قذفه في النار ومن أجاب خلى سبيله.
وقال الضحاك : أصحاب الأخدود من بني إسرائيل أخذوا رجالا ونساء فخدوا لهم أخدودا ثم أوقدوا فيها النيران فأقاموا المؤمنين عليها ، فقالوا : أتكفرون أم نقذفكم في النار؟ ويزعمون أنه دانيال وأصحابه ، وهذه رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال أبو الطفيل عن علي رضي الله عنه : كان أصحاب الأخدود نبيهم حبشي بعث من الحبشة إلى قومه ، ثم قرأ علي رضي الله عنه : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ) ، الآية [غافر : ٧٨] ، فدعاهم فتابعه ناس فقاتلهم أصحابه فأخذوا وأوثقوا من أفلت منهم فخدوا أخدودا فملئوها نارا فمن اتبع النبي رمي فيها ، ومن تابعهم تركوه ، فجاءوا بامرأة ومعها صبي رضيع فجزعت ، فقال الصبي : يا أماه مري ولا تنافقي.
وقال عكرمة : كانوا من النبط أحرقوا بالنار.
وقال مقاتل : كانت الأخدود ثلاثة واحدة بنجران باليمن ، والأخرى بالشام ، والأخرى بفارس. أما التي بالشام فهو أبطاموس الرومي ، وأما التي بفارس فبخت نصر ، وأما التي بأرض العرب فهو ذو نواس يوسف ، فأما التي بالشام وفارس فلم ينزّل الله فيهما قرآنا وأنزل في التي كانت بنجران ، وذلك أن رجلا
__________________
(١) في المخطوط «ثامر».