قال أبو علي الحسين بن يحيى بن نصر الجرجاني صاحب النظم تكلم الناس في قوله : «لن يغلب عسر يسرين» ، فلم يحصل منه غير قولهم : إن العسر معرفة واليسر نكرة. فوجب أن يكون عسر واحد ويسران ، وهذا قول مدخول ، إذا قال الرجل : إن مع الفارس سيفا إن مع الفارس سيفا ، فهذا لا يوجب أن يكون الفارس واحد والسيف اثنان ، فمجاز قوله : لن يغلب عسر يسرين أن الله بعث نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو مقل مخف ، فكانت قريش تعيره بذلك ، حتى قالوا : إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالا حتى تكون كأيسر أهل مكة ، فاغتم النبي صلىاللهعليهوسلم لذلك ، فظن أن قومه إنما يكذبونه لفقره ، فعدّد الله نعمه عليه في هذه السورة ، ووعده الغنى يسليه بذلك عما خامره من الغم ، فقال : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (٥) ، مجازه : لا يحزنك ما يقولون فإن مع العسر يسرا في الدنيا عاجلا ، ثم أنجزه ما وعده ، وفتح عليه القرى العربية ووسع عليه ذات يده ، حتى كان يعطي المئين من الإبل ويهب الهبات السنية ، ثم ابتدأ فضلا آخر من أمر الآخرة ، فقال : إن مع العسر يسرا ، والدليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو وهذا وعد لجميع المؤمنين ، ومجازه : إن مع العسر يسرا أي إن مع العسر في الدنيا للمؤمن يسرا في الآخرة ، فربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية [الأولى ويسر الآخرة ، وهو ما ذكره في الآية](١) الثانية فقوله عليهالسلام : «لن يغلب عسر يسرين» أي : لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة ، وإنما يغلب أحدهما هو يسر الدنيا ، وأما يسر الآخرة فدائم غير زائل أي لا يجمعهما في الغلبة.
[٢٣٦٦] كقوله صلىاللهعليهوسلم : «شهرا (٢) عيد لا ينقصان» أي لا يجتمعان في النقصان.
(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨))
(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) (٧) ، أي فاتعب ، والنصب : التعب ، قال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والكلبي : فإذا فرغت من الصلاة المكتوبة فانصب إلى ربك في الدعاء ، وارغب إليه في المسألة يعطك. وروى عبد الوهّاب بن مجاهد عن أبيه قال : إذا صليت فاجتهد في الدعاء والمسألة. وقال ابن مسعود : إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل.
وقال الشعبي : إذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك. وقال الحسن وزيد بن أسلم : إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك. وقال منصور عن مجاهد : إذا فرغت من أمر الدنيا فانصب في عبادة ربك وصل. وقال حيان عن الكلبي : إذا فرغت من تبليغ الرسالة فانصب ، أي : استغفر لذنبك وللمؤمنين.
(وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) (٨) ، قال عطاء تضرع إليه راهبا من النار راغبا في الجنة. وقيل : فارغب إليه في جميع أحوالك. قال الزجاج : أي اجعل رغبتك إلى الله وحده.
__________________
[٢٣٦٦] ـ صحيح. أخرجه البخاري ١٩١٢ ومسلم ١٠٨٩ وأبو داود ٢٣٢٣ والترمذي ٦٩٢ ابن ماجه ١٦٥٩ وأحمد ٥ / ٣٨ و ٤٧ و ٤٨ والطيالسي ٨٦٣ والطحاوي ٢ / ٥٨ وابن حبان ٣٢٥ والبيهقي ٤ / ٢٥٠ من طرق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه مرفوعا.
ـ ولعله تقدم في أبحاث الصيام أو الحج ، والله أعلم.
(١) زيادة عن ط.
(٢) تصحف في المطبوع «شهر».