يضيء نوره إلا موضع قدميه» (١).
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما : يؤتون نورهم على قدر أعمالهم فمنهم من يؤتى نوره كالنخلة ، ومنهم من يؤتى نوره كالرجل القائم : وأدناهم نورا من نوره أعلى إبهامه فيطفأ مرة ويقد مرة. وقال الضحاك ومقاتل : يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم كتبهم يريد أن كتبهم التي أعطوها بأيمانهم ونورهم بين أيديهم ، وتقول لهم الملائكة : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا) ، قرأ الأعمش وحمزة : أنظرونا بفتح الهمزة وكسر الظاء يعني أمهلونا. وقيل : انتظرونا. وقرأ الآخرون بحذف الألف في الوصل وضمها في الابتداء وضم الظاء ، تقول العرب : انظرني وأنظرني يعني انتظرني. (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) ، نستضيء من نوركم ، وذلك أن الله تعالى يعطي المؤمنين نورا على قدر أعمالهم يمشون به على الصراط ، ويعطي المنافقين أيضا نورا خديعة لهم ، وهو قوله عزوجل : (وَهُوَ خادِعُهُمْ) [النساء : ١٤٢] ، فبينما هم يمشون إذ بعث الله عليهم ريحا وظلمة فأطفأ (٢) نور المنافقين ، فذلك قوله : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) [التحريم : ٨] مخافة أن يسلبوا نورهم كما سلب نور المنافقين. وقال الكلبي : بل يستضيء المنافقون بنور المؤمنين ولا يعطون النور فإذا سبقهم المؤمنون وبقوا في الظلمة قالوا للمؤمنين انظرونا نقتبس من نوركم ، (قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) ، قال ابن عباس : يقول لهم المؤمنون ، وقال قتادة : تقول لهم الملائكة ارجعوا وراءكم من حيث جئتم ، (فَالْتَمِسُوا نُوراً) ، فاطلبوا هناك لأنفسكم نورا فإنه لا سبيل لكم إلى الاقتباس من نورنا ، فيرجعون في طلب النور فلا يجدون شيئا فينصرفون إليهم ليلقوهم فيميز بينهم وبين المؤمنين ، وهو قوله : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ) ، أي سور ، والباء صلة يعني بين المؤمنين والمنافقين ، وهو حائط بين الجنة والنار ، (لَهُ) أي لذلك السور ، (بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) ، أي في باطن ذلك السور الرحمة وهي الجنة ، (وَظاهِرُهُ) ، أي خارج ذلك السور ، (مِنْ قِبَلِهِ) ، أي من قبل ذلك الظاهر ، (الْعَذابُ) ، وهو النار.
(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٥))
(يُنادُونَهُمْ) روي عن عبد الله بن عمرو (٣) قال : إن السور الذي ذكر الله تعالى في القرآن (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) هو سور بيت المقدس الشرقي باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ، وادي جهنم. وقال ابن شريح : كان كعب يقول : في الباب الذي يسمى باب الرحمة في بيت المقدس إنه الباب الذي قال الله عزوجل : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ) الآية ، ينادونهم يعني : ينادي (٤) المنافقون المؤمنين من وراء السور حين حجز (٥) بينهم بالسور وبقوا في الظلمة : (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الدنيا نصلي ونصوم؟ (قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) ، أهلكتموها بالنفاق والكفر واستعملتموها في المعاصي والشهوات ، وكلها فتنة ،
__________________
(١) ـ وفي المخطوط (ب) «من يضيء نوره ما بين عدن وصنعاء ...».
(٢) في المطبوع «فأطفأت» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «عبد الله بن عمر» والمثبت عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «ينادون» والمثبت عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «حجب» والمثبت عن المخطوط.