أهل المدينة والشام : فإن الله الغني ، بإسقاط هو وكذلك هو في مصاحفهم.
قوله عزوجل : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) ، بالآيات والحجج ، (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) ، يعني العدل. وقال مقاتل بن سليمان : هو ما يوزن به أي ووضعنا الميزان كما قال : (وَالسَّماءَ رَفَعَها) [الرحمن : ٧] بأن وضع (وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) ، ليتعاملوا بينهم بالعدل ، (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ).
[٢١٣٢] روي عن ابن عمر يرفعه : إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض الحديد والنار والماء والملح ، وقال أهل المعاني معنى قوله : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) ، أنشأنا وأحدثنا ، أي أخرج لهم الحديد من المعادن وعلمهم صنعته بوحيه. وقال قطرب : هذا من النزل كما يقال أنزل الأمير على فلان نزلا حسنا فمعنى الآية أنه جعل ذلك نزلا لهم. ومثله قوله ؛ (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزمر : ٦]. (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) ، قوة شديدة يعني السلاح للحرب.
قال مجاهد : فيه جنة وسلاح يعني آلة [الدفع](١) وآلة الضرب ، (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، مما ينتفعون به في مصالحهم كالسكين والفأس والإبرة ونحوها إذ هو آلة لكل صنعة ، (وَلِيَعْلَمَ اللهُ) ، أي أرسلنا رسلنا وأنزلنا معهم هذه الأشياء ليتعامل الناس بالحق والعدل وليعلم الله وليرى الله ، (مَنْ يَنْصُرُهُ) ، أي دينه.
(وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) ، أي قام بنصرة الدين ولم ير الله ولا الآخرة وإنما يحمد ويثاب من أطاع الله بالغيب. (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ، قوي في أمره عزيز في ملكه ،
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٧))
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) ، على دينه ، (رَأْفَةً) ، وهي أشد الرقة ، (وَرَحْمَةً) ، كانوا متوادين بعضهم لبعض ، كما قال الله تعالى في وصف أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ، (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها) [الفتح : ٢٩] ، من قبل أنفسهم وليس هذا بعطف على ما قبله وانتصابه بفعل مضمر كأنه قال : وابتدعوا رهبانية أي جاءوا بها من قبل أنفسهم ، (ما كَتَبْناها) ، أي ما فرضناها ، (عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) ، يعني ولكنهم ابتغوا رضوان الله بتلك الرهبانية وتلك الرهبانية ما حملوا أنفسهم من المشاق في الامتناع من المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد في الجبال ، (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) ، أي لم يرعوا الرهبانية حق رعايتها بل ضيعوها وكفروا بدين عيسى فتهودوا وتنصروا ودخلوا في دين ملوكهم وتركوا الترهب (٢) ، وأقام منهم أناس على دين عيسى عليه الصلاة والسلام حتى أدركوا محمدا صلىاللهعليهوسلم فآمنوا به ، وذلك قوله تعالى : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) ، وهم الذين ثبتوا عليها وهم أهل الرأفة والرحمة ، (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) ، وهم الذين
__________________
[٢١٣٢] ـ لم أقف على ذكره الزمخشري في «الكشاف» ٤ / ٣٨٣ فقال الحافظ : أخرجه الثعلبي ، وفي إسناده من لا أعرفه.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «الترهيب» والمثبت عن المخطوط.