المنافق ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر؟ فقال لهم : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» ، فأنزل الله عزوجل في شأن حاطب : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ).
(تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ، قيل : أي المودة ، والباء زائدة كقوله : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ) [الحج : ٢٥] ، وقال الزجاج : معناه تلقون إليهم أخبار النبي صلىاللهعليهوسلم ، وسره بالمودة التي بينكم وبينهم ، (وَقَدْ كَفَرُوا) ، الواو للحال أي وحالهم أنهم كفروا ، (بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) ، يعني القرآن (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) ، من مكة ، (أَنْ تُؤْمِنُوا) ، أي لأن آمنتم ، كأنه قال يفعلون ذلك لإيمانكم ، (بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ) ، هذا شرط جوابه متقدم وهو قوله : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ) ، (جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) ، قال مقاتل بالنصيحة ، (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ) ، من المودة للكفار ، (وَما أَعْلَنْتُمْ) ، أظهرتم بألسنتكم ومن يفعله منكم (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) ، أخطأ طريق الهدى.
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥))
(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) ، يظفروا بكم ويروكم ، (يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ) ، بالضرب والقتل ، (وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ) ، بالشتم ، (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) ، كما كفروا يقول : لا تناصحوهم فإنهم لا يناصحونكم ولا يوادونكم.
(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) ، معناه لا يدعونكم ولا يحملنكم ذوو أرحامكم وقراباتكم وأولادكم التي بمكة إلى خيانة الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين وترك مناصحتهم وموالاة أعدائهم فلن تنفعكم أرحامكم ، (وَلا أَوْلادُكُمْ) ، الذين عصيتم الله لأجلهم ، (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) ، فيدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار ، قرأ عاصم ويعقوب يفصل بفتح الياء وكسر الصاد مخففا وقرأ حمزة والكسائي بضم الياء وكسر الصاد مشددا ، وقرأ ابن عامر بضم الياء وفتح الصاد مشددا ، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الصاد مخففا. (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).
(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ) ، قدوة ، (حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) ، من أهل الإيمان (إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ) ، من المشركين ، (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) ، جمع بريء ، (وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ) ، جحدنا وأنكرنا دينكم ، (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) ، يأمر حاطبا والمؤمنين بالاقتداء بإبراهيم عليه الصلاة والسلام ، والذين معه من المؤمنين في التبرؤ من المشركين ، (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) ، يعني لكم أسوة [حسنة](١) في إبراهيم وأموره إلا في استغفاره لأبيه المشرك فإن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان قد قال لأبيه لأستغفرن لك ، ثم تبرأ منه على ما ذكرناه في سورة التوبة ،(وَما
__________________
(١) زيد في المطبوع.