ولكن هذا المقدار من حكم العقل لا يكتفى به فى باب حجية الظن لان المقصود من حجية الظن كونه بحيث يعاقب على ترك مقتضاه وان لم يطابق الواقع ، فيكون مظنون الوجوب واجبا شرعيا يحكم بعصيان تاركه ويترتب عليه جميع آثار الوجوب الشرعى.
اللهم الّا ان يتم ذلك بقبح التجرى ، ويقال ان ترك مظنون الوجوب وان لم يثبت كونه واجبا شرعيا إلّا انه تجرّ على المولى وهو قبيح عقلا يستحق العقاب عليه ، بل سيجيء ان محتمل الوجوب او الحرمة اذا كان بحيث لا يمكن نفى التكليف فيه بقاعدة قبح التكليف من غير بيان لا يجوز فيه الترك او الفعل ، لكن هذا لا يحوج المسألة الى اثبات الملازمة بين العقل والشرع ، لان حرمة التجرى قد استفيدت من كثير من الآيات والروايات مثل فحوى ما دل على («إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا [لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ])(١) ، وما دل على ان المسلمين الملاقين بسيفهم القاتل والمقتول فى النار لان المقتول اراد قتل صاحبه وغير ذلك.
ثم انه ربما يقال ان ثمرة الملازمة يظهر فيمن بعد عن بلاد المسلمين وارتكب القبائح العقلية كان غير مقصر فى طلب الاحكام ، فانه يستحق العقاب بناء على ثبوت الملازمة.
وفيه : ان مسئلة الملازمة اذا كانت نظرية بين اولى الانظار من العلماء فلا يخلو امّا ان يكون ذلك البعيد العهد ممن يعتقد بالملازمة ، وامّا ان يكون ممن لم يعتقد ، فان كان معتقدا بالملازمة فهو مستحق للعقاب وان لم تقل بالملازمة واقعا لان مخالفة الاعتقاد تجرّ قبيح.
__________________
(١) ـ النور : ١٩