وقد أشار شيخ الإسلام سيد المتأخرين ، تقي الدين ابن دقيق العيد ، في كتابه الاقتراح إلى هذا وقال : أعراض المسلمين حفرة من حفر النار ، وقف على شفيرها طائفتان من الناس : المحدّثون والحكام.
قلت : ومن أمثلته قول بعضهم في البخاري : تركه أبو زرعة وأو حاتم من أجل مسألة اللفظ ، فيا لله والمسلمين أيجوز لأحد أن يقول : البخاري متروك وهو حامل لواء الصناعة ومقدم أهل السنّة والجماعة؟ يا لله والمسلمين أيجعل ممادحه مذام؟ فإن الحق في مسألة اللفظ معه ، إذ لا يستريب عاقل من المخلوقين في أن تلفّظه من الأفعال الحادثة التي هي مخلوقة لله تعالى ، وإنما أنكرها الامام أحمد وابن صالح لبشاعة لفظها ».
والظاهر أنه يقصد من « بعضهم » الحافظ الذهبي وهو شيخه ، ولذلك آثر عدم التصريح باسمه.
وقال الشيخ عبد الرءوف المناوي بترجمة البخاري : « زين الأئمة صاحب أصح الكتب بعد القرآن ، ساحب ذيل الفضل على ممر الزمان ، الذي قال فيه إمام الأئمّة ابن خزيمة : ما تحت أديم السماء أعلم منه. وقال بعضهم : إنه آية من آيات الله يمشي على وجه الأرض. قال الذهبي : كان من أفراد العالم مع الدين والورع والمتانة. هذا كلامه في الكاشف.
ومع ذلك غلب عليه الغرض من أهل السنة ، فقال في كتاب الضعفاء والمتروكين : ما سلم من الكلام لأجل مسألة اللفظ ، تركه لأجلها الرّازيان.
هذه عبارته وأستغفر الله تعالى ، نسأل الله السلامة ونعوذ به من الخذلان » (١).
« والرازيان » هما : أبو زرعة وأبو حاتم.
ثم اعلم أن الحافظ الذهبي وإن اكتفى بنقل طعن هذين الإمامين في كتابيه
__________________
(١) فيض القدير في شرح الجامع الصغير ١ / ٢٤.