لزم هذا استغنى عن اللفظ وعمّا سواه من الكلام في القرآن. ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر وخرج عن الايمان ، وبانت منه امرأته ، يستتاب فإن تاب وإلاّ ضربت عنقه وجعل ماله فيئا بين المسلمين ، لم يدفن في مقابرهم. ومن وقف فقال : لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق ، فقد ضاهى الكفر. ومن زعم : أن لفظي بالقرآن مخلوق فهذا مبتدع لا يجالس ولا يكلّم.
ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن إسماعيل البخاري ، فاتّهموه فإنه لا يحضر مجلسه إلاّ من كان على مثل مذهبه » (١).
ولقد أورد الحافظ ابن حجر هذا الكلام في مقدمة شرح البخاري (٢).
وقال الذهبي : « قال الحاكم : ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الأخرم سمعت ابن علي المخلدي ، سمعت محمد بن يحيى ، يقول : قد أظهر هذا البخاري قول اللفظية ، واللفظية عندي شرّ من الجهمية » (٣).
وقد نصّ أئمّة أهل السنة وكبار حفّاظهم على كفر الجهميّة وهلاكهم وضلالهم ، فقد قال الذهبيّ بترجمة علي بن المديني : « قال ابن عمار الموصلي في تاريخه : قال لي علي بن المديني : ما يمنعك أن تكفّر الجهمية؟ وكنت أنا أوّلا لا أكفّرهم. فلمّا أجاب عليّ إلى المحنة ، كتبت إليه أذكّره ما قال لي وأذكّره الله ، فأخبرني رجل عنه أنه بكى حين قرأ كتابي ، ثم رأيته بعد ، فقال لي : ما في قلبي ممّا قلت وأجبت من شيء ، ولكنّي خفت أن أقتل وتعلم ضعفي أني لو ضربت سوطا واحدا لمتّ ، أو نحو هذا » (٤).
__________________
(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٥٥.
(٢) هدي الساري ٢ / ٢٦٣.
(٣) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٤٥٥.
(٤) سير أعلام النبلاء ١١ / ٤١.