والحاصل إنّ هذا الكلام مختل الأركان ضعيف البنيان واضح البطلان ، فهو من جهة يتمسك بقدح القادحين في هذا الحديث للقدح في تواتره ، ومن جهة أخرى ينص على أن الخلاف في هذا الحديث مردود ، ومن جهة ثالثة يعود ليمدح القادحين فيه ويصفهم بالامامة في هذا الشأن ليشيد بالتالي بقدحهم في الحديث ويسقطه بذلك عن الاعتبار.
وإذا كانت هذه التناقضات والتعصبات ـ التي يأباها أتباع القادحين ومقلديهم ـ قادحة في الأحاديث المتواترة ، كان مكابرة المخالفين للإسلام وقدحهم في تواتر معاجز النبي ـ صلىاللهعليهوآلهوسلم ـ جديرة بالإذعان ومؤثرة في الطعن في الدين الحنيف. وذلك لأن هذه المكابرات وتلك التعصبات من باب واحد.
والفرق بأن القادحين هنا أئمة عدول بخلافهم هناك فإنهم ملحدون لا يسمن ولا يغني من جوع. أما أولا : فلأنّهم لدى الشيعة في مرتبة واحدة ، وأما ثانيا : فمع التسليم بالفرق فإنّ كلام الطرفين في البابين في البطلان على حد سواء. على أن الملاك في التواتر حصول شروطه ، فمتى تحققت في مورد حكم بتواتره ، وليس من شروطه عدم وجود قادح فيه أبدا ، بل إذا توفرت شروط التواتر ، كان قدح القادحين موجبا للطعن فيهم لا في الحديث وإن كانوا من كبار الأئمّة ، فلو قدح أبو حاتم وأمثاله في وجوب الصوم مثلا كان ذلك موجبا للقدح في أنفسهم لا في وجوب الصوم كما لا يخفى.
ثم إنّ نسبة القدح في حديث الغدير إلى أبي داود أكذوبة أخرى ، لما عرفت سابقا من أنه قد روى هذا الحديث. فهذه النسبة باطلة لا أصل لها البتّة. ومن التعصب الفاحش أن ينسب إلى أبي داود هذا البهتان ويتّهم بهذا الأمر الفظيع ، ثم يتمسك بهذا القدح المزعوم ـ مع الاعتراف بكونه مردودا ـ في نفي تواتر الحديث خلافا للمحققين من الأئمّة ، وبالرغم من الإذعان بكثرة طرقه!!