أو محبوسا سعينا في خلاصه ، فخبّروني عن جلية حاله. فقالوا : نجلك عن ذلك فقال : لا بدّ أن تخبروني ، فقالوا : إنه ابتلي بعشق صبي. فاحتشم إبراهيم ثم قال : هذا الصبي الذي ابلي بعشقه هو مليح أو قبيح؟ فعجب القوم من سؤاله عن مثل ذلك مع جلالته في أنفسهم ، وقالوا : أيها الشيخ مثلك يسأل عن مثل هذا؟ فقال : إنه بلغني أن الإنسان إذا ابتلي بمحبة صورة قبيحة ، كان بلاء يجب الاستعاذة من مثله ، وإن كان مليحا كان ابتلاء يجب الصبر عليه واحتمال المشقة فيه. قال : فعجبنا مما أتى به » (١).
أقول : وكيف لا يتعجبون مما أتى به؟ وعشق الصبي في غاية القبح والشناعة والفظاعة ، وقد كتب الشيخ محمد حياة السندي ـ وهو من أكابر العلماء المتبحّرين ـ رسالة في النهي عن عشق صور المرد والنسوان قال فيها على ما نقل عنها معاصره القنوجي في ( اتحاف النبلاء ) بترجمته : « تلك لعمر الله الفتنة الكبرى والبلية العظمى استعبدت النفوس لغير خلاّقها ، وملكت القلوب لمن يسومها الهوان من عشّاقها ، وألقت الحرب بين العشق والتوحيد ودعت إلى موالاة كل شيطان مريد ـ إلى قوله ـ : إنما حكى الله العشق عن الكفرة قوم لوط وامرأة العزيز ، وكانت إذ ذاك مشركة ، والفتنة بعشق الصور تنافي أن يكون دين العبد كله لله ، بل ينقص من دينه بحسب ما حصل له من فتنة العشق ، وربما أخرجت صاحبه من أن يبقى معه شيء من الدين ، والمفتون بالصور مخالف لقوله : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ ) والمبتلى بها ليس بغاض بصره بل يلتذ بالنظر الحرام وربما يقع به في الزنا ـ إلى قوله : ـ فإنّ تعبّد القلب للمعشوق شرك وقد أثبت النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ اسم التعبد على المحبة لغير الله تعالى في قوله في الصحيح : تعس عبد الدينار وعبد الدراهم إلخ ».
وقال الذهبي بترجمة إبراهيم الحربي : « قال المسعودي : كانت وفاة الحربي
__________________
(١) فوات الوفيات ١ / ١٦.