وقال العلاّمة ابن السبكي في شرحه لمختصر ابن الحاجب : الصحيح عندي أنّ انشقاق القمر متواتر منصوص عليه في القرآن ، مروي في الصحيحين وغيرهما ، من طرق من حديث شعبة ، عن سليمان عن إبراهيم ، عن أبي معمر ، عن أبن مسعود. ثمّ قال : وله طرق أخر شتّى بحيث لا يمترى في تواتره انتهى » (١).
وقال السيوطي في كلام له في معنى التواتر : « ... فقد وصف جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين أحاديث كثيرة بالتواتر ، منها : حديث نزل القرآن على سبعة أحرف ، وحديث الحوض ، وانشقاق القمر ، وأحاديث الهرج والفتن في آخر الزمان ... » (٢).
فإذا لم يؤثّر إنكار « الحليمي » ومنعه وقوع انشقاق القمر في تواتر هذا الحديث ، كان إنكار بعض المتعصّبين حديث الغدير غير مؤثّر في تواتره كذلك.
ومن الغرائب إنكار الشاه وليّ الله الدهلوي هذا الحديث كذلك ، وقد قال ما نصّه : « أمّا شقّ القمر ، فعندنا ليس من المعجزات ، إنّما هو من آيات القيامة ، كما قال الله تعالى : ( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) ، ولكنه أخبر عنه قبل وجوده ، فكان معجزة من هذا السبيل » (٣).
عود إلى النظر في كلام عبد الحق الدهلوي
وأمّا استناد الشيخ عبد الحقّ بترك البخاري ومسلم والواقدي رواية حديث الغدير ، فقد تقدّم الجواب عنه بالتفصيل في الردّ على كلام الفخر الرازي.
على أنّ ترك هؤلاء روايته ، غير قادح في صحة الحديث ، كما اعترف هو بذلك ، وإذ ليس قادحا في صحته ، فكيف يكون قادحا في تواتره؟
وبالجملة ، فإنّ دعوى عدم تواتر حديث الغدير ، بالاستناد الى هذه
__________________
(١) المواهب اللدنية ١٥ / ٣٥٦.
(٢) إتمام الدراية / ٥٥ ، هامش مفتاح العلوم.
(٣) راجع : التفهيمات الالهية ٣ / ٦٥.