الملاك المقتضي لتشريعه ما يزال موجودا مع هذا الوضوء ، ويترتّب عليه أثره ، أقصاه أنّ التقرّب فيه إنّما كان بالملاك ، لا بالأمر الوجوبي ؛ لانتفائه هنا كما هو الفرض. والتقرّب بالملاك ـ كما حقّق في الأصول ـ كاف في صحّة العبادة. (١)
الرأي المختار
والتحقيق : أنّ مقتضى ما استفدناه من حديث (لا ضرر) من كونه واردا مورد الامتنان على المكلّفين ، أنّ المستفاد منه الرخصة ، لا العزيمة ؛ لأنّ المنّة لا تقتضي أكثر من رفع الإلزام في الأحكام التكليفيّة ، واللّزوم في الأحكام الوضعية ، ولا تكشف عن رفع أصل الملاك.
فالطبيب الذي يلزمك باستعمال دواء ما ، لانطوائه على ملاك شفائك من مرضك ، ثم يجد أنّ هذا الدواء يولّد لك ضررا مادّيا لغلائه ، فيرفعه عنك مراعاة لك ، ويبدله بآخر ، فإنّ رفعه لا يكشف عن نفي الملاك والمصلحة فيه ؛ لذلك لو قدّر لك أن تقدم على استعماله لأحدث لك الشفاء وإن تضرّرت به ماديا.
فوجود الحكم بعنوانه الأوّلي يكون كاشفا عن وجود الملاك ، ووجود المنّة في رفع الضرر لا ينافي بقاءه ، والتقرّب بالملاك كاف في تحقيق العبادة ، كما مرّ.
ولازم ذلك أن يقال بصحّة العبادة هنا وإن لم يكن ملزما بها.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعاملة الضرريّة ؛ لأنّ (الضرر) لا ينفي أكثر من اللزوم ، ومقتضى رفعه امتنانا أن يكون لك الخيار في إمضاء المعاملة الضررية أو تركها ، لا بطلان أصلها.
وعلى هذا فمقتضى ما تفيده هذه القاعدة هو نفي الإلزام واللزوم ، لا أصل التشريع.
__________________
١ ـ انظر : مستمسك العروة الوثقى ٥ : ١٣١ ، ومحاضرات في أصول الفقه ٣ : ٥٧.