محمد سلام مدكور وهو يعلّل ذلك : «لأنّ الحديث في فقرته الأولى ينفي الضرر قبل الوقوع وبعده» (١) ، وتسليط النفي على الضرر لا يراد به الإخبار ؛ لما سبق شرحه ، فيكون مفادها النهي عن إيجاد الضرر أو وجوده ، والنهي عن وجوده لا معنى له إلّا الأمر بإزالته ، وبهذا صحّ بناء (الضرر يزال) على الحديث.
الرأي المختار
ولكنّ التحقيق الذي سبق أن عرضناه بمقتضى حكومة هذه القاعدة على الأدلّة الأوّلية (٢) : أنّ المستفاد منها هو نفي ما يولّد امتثاله الضرر من تشريعات الشارع ، لا النهي عن إحداث الضرر ، أو لزوم رفعه ؛ ولذلك قلنا : إنّ هذا الحديث لا يتناول المحرّمات أو الأمور العدميّة (٣) ؛ لأنّ امتثال المحرّمات لا يولّد ضررا ، والممكن تصوّره في المحرّمات غالبا أنّ مخالفتها قد ترفع الضرر بعد وجوده ، وهو أجنبيّ عن القاعدة.
على أنّه ليس عندنا في الشريعة أنّ كلّ ضرر تجب إزالته ، وإلّا لكلّفنا كلّ متضرّر بأضرار مالية أو بدنية أن يجهد ليل نهار لإزالة الضرر عن نفسه ولو كان بسيطا ، وهذا ما قامت الضرورة على خلافه.
نعم ، عندنا من الأضرار ما تجب إزالتها ، وهي الأضرار التي لا يتسامح العقلاء ببقائها عادة ، كالأضرار التي تؤدي بحياة الإنسان ، أو تعطّل عضوا من أعضائه الرئيسة ، أو تستأصل أمواله ، ونظائر ذلك ، ممّا يمكن أن يستفاد من أمثال آية التهلكة (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)(٤) ، أو من إدراك العقل بأنّ هذا النوع من الضرر ممّا
__________________
١ ـ مدخل الفقه الإسلامي : ١١٦.
٢ ـ تقدّم عرض هذا التحقيق في ص ٩٢ ـ ٩٥.
٣ ـ تقدّم الكلام في عدم شمول حديث «لا ضرر» للمحرّمات في ص ١٠٦ ، وعدم شموله للأمور العدمية في ص ١٠٩.
٤ ـ البقرة : ١٩٥.