لذلك لا بدّ أن يلتمس علاجا لمشكلة هذا التزاحم بالتماس المرجّحات لتعيين أحد الحكمين وامتثاله دون الآخر.
مرجّحات باب التزاحم
وقد عرض الأصوليّون بحوثا مطوّلة تحدّثت بإسهاب عن هذه المرجّحات ، بخاصّة في كتب الأصوليّين من علماء الإمامية ١ ـ وأهمّ هذه المرجّحات كما سبق أن عرضناها في كتابنا : الأصول العامّة للفقه المقارن ، مبحث الاستحسان : (٢)
أولا : تقديم الحكم المضيّق على الحكم الموسّع ، إذا كان في التكليفين مضيّق وموسّع.
ومثاله : ما لو تزاحم الأمر بالصلاة ـ وكانت في أوّل أوقاتها ـ مع الأمر بإزالة نجاسة ما عن المسجد الحرام (٣) ، وكانت الأولى موسّعة ، فإنّ إزالة النجاسة تكون مقدّمة على الصلاة.
ثانيا : تقديم ما ليس له بدل على ما كان له بدل ، كما لو تزاحم الأمر بإنقاذ نفس محترمة كاد يؤدي بها الظمأ ، والأمر بالوضوء مع فرض وجود ماء لا يتّسع لهما معا. وبما أنّ الوضوء له بدل وهو التيمّم ، وإنقاذ النفس لا بدل له ، فلا بدّ من تقديم الإنقاذ.
ثالثا : تقديم ما كان أمره معيّنا على ما كان مخيّرا ، كتقديم الوفاء بالنذر على الكفّارة ، فيما لو نذر مسلم عتق رقبة مؤمنة ، وتحقّق نذره ، وكان مطالبا بكفّارة إفطار عمدي في شهر رمضان وكان لديه رقبة واحدة ، فهو مطالب بعتقها للنذر من ناحية ،
__________________
١ ـ راجع : نهاية الأفكار ٤ ق ٢ : ١٣٢ ، وفوائد الأصول ٤ : ٧٠٩ ، ومصباح الأصول ٣ : ٣٥٧ وما بعدها ، ومنتهى الأصول ٢ : ٧١٥ وما بعدها ، وأصول الفقه للمظفّر ٢ : ٢١٧ وما بعدها.
٢ ـ ذكر المصنّف في ص ٣٥٠ أنّ المراد بالاستحسان هو ما أخذ في بعض التعاريف «من العمل أو الأخذ بأقوى الدليلين» ، وهذا التعريف بعمومه شامل لما كان فيه الدليلان لفظيين أو غير لفظيين أو أحدهما لفظي والآخر غير لفظي.
٣ ـ لا وجه لتخصيص «المسجد الحرام» به بل الحكم يعمّ كلّ مسجد.