ارتكاب كثير من المفاسد إذا زوحمت بمصلحة أهمّ ، فالتجّار مثلا يسافرون إلى أقاصي الدنيا ، ويخسرون من الأموال الطائلة بأمل الحصول على الربح ، فوهم الربح عندهم يكفي أحيانا لارتكاب كثير من مفاسد الخسارة المالية التي تستدعيها أسفارهم عادة.
الرأي المختار
وعلى هذا فإنّ القول بأنّ درء المفسدة ـ أي دفعها ـ أولى من جلب المصلحة ليس صحيحا على إطلاقه ، وإنّما ينظر عادة إليهما بشيء من الموازنة ، ثم يقدّم الأهمّ (١) وفقا لما سبق أن ذكرناه من قواعد الترجيح في باب التزاحم. (٢)
***
أمّا القواعد الأخرى ، أعني :
قاعدة : «الضرر الأشدّ يزال بالضرر الأخفّ»
قاعدة : «يختار أهون الشرّين»
قاعدة : «إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما بارتكاب أخفّهما»
فهي صريحة في تقرير مبدأ الأهمّية في باب التزاحم ؛ لأنّ أعظم الشرّين أو أعظم المفسدتين يكون التجنّب عنه أهمّ في نظر الشارع ؛ لذلك يقدّم في مجال الترك ، ويرتكب الأهون والأخفّ دفعا له (٣) كما هو واضح.
__________________
١ ـ انظر : تحرير المجلّة ١ : ١٤٨.
٢ ـ تقدّم ذلك في ص : ١٣٤ من الكتاب.
٣ ـ راجع : الأشباه والنظائر للسيوطي ١ : ٢١٦ ـ ٢١٨ ، والأشباه والنظائر لابن نجيم : ٨٨ ـ ٩٠ ، وتحرير المجلّة ١ : ١٤٦ ، وشرح القواعد الفقهية : ١٩٩ ـ ٢٠٣ ، والمدخل الفقهي لعام ٢ : ٩٩٤ ـ ٩٩٥.