فحص هذه الأبواب تجد المعروض فيها التماس العقل كدليل على الأصل المنتج ، لا أنّه بنفسه أصل منتج لها.
وبعد عرض مطوّل لجلّ أقوالهم ومناقشاتهم ، وما يرد عليها في كتابنا (الأصول العامّة للفقه المقارن) خلصنا إلى ما يأتي :
أولا : أنّ العقل مصدر الحجج ، وإليه تنتهي ، فهو المرجع الوحيد في أصول الدين ، وفي بعض الفروع التي لا يمكن للشارع المقدس أن يصدر حكمه فيها.
ثانيا : قابليته لإدراك الأحكام الكلّية الشرعية الفرعية بتوسّط نظرية التحسين والتقبيح العقليين ، ولكن على سبيل الموجبة الجزئية ، وعدم قابليته لإدراك جزئياتها وبعض مجالات تطبيقها.
ثالثا : عدم إدراكه ـ وحده ـ لكثير من الاحكام الكليّة كالعبادات وغيرها لعدم ابتناء ملاكاتها ـ على نحو الموجبة الكلّية ـ على ما كان ذاتيا من معاني الحسن والقبح.
رابعا : الالتزام بالتحسين والتقبيح لا ينهى إلى إنكار الشرائع ، بل الاحتياج قائم على أتمّ صورة إليها ، لتدارك ما يعجز العقل عن الولوج إليه ، وهو أكثر الأحكام ، بل كلّها مع استثناء القليل. (١)
والمراد بدليل العقل هنا تطابق العقلاء على قبح التكاليف التي تولّد الحرج للمكلّفين. وبما أنّ الشارع المقدّس سيّد العقلاء ، وخالق العقل ، فلا بدّ أن يكون جاريا في جعله على وفق مدركاتهم العقلية. وحيث إنّ الأحكام الحرجيّة ممّا يدرك العقل قبح تشريعها ؛ فلا بدّ أن يرفعها ؛ منّة منه على العباد. (٢)
والإشكال الذي يرد على دليل العقل : إنكار تطابق العقلاء على قبح تشريع الأحكام الحرجية ، ومع إنكار التطابق لم يبق مجال للتمسّك بدليل العقل.
__________________
١ ـ الأصول العامة للفقه المقارن : ٢٨٥ ـ ٢٨٦.
٢ ـ راجع : عوائد الأيام : ١٧٣ ، والعناوين ١ : ٢٨٥ ـ ٢٨٨ ، والقواعد الفقهية للبجنوردي ١ : ٢٥٢.