والسرّ في ذلك أنّ امتثال المحرّم لا يكون إلّا بتركه ، والترك عدم ، فلا يتصوّر فيه غالبا أن يكون علّة إحداث نقص مادّي ، فترك شرب الخمر لا يحدث الحرج وإن كان شربه قد يدفع الحرج.
والحقيقة أنّ الواجبات والمحرمات مختلفات من حيث السنخية ؛ فامتثال الواجب قد يحدث حرجا كما في الوضوء في شدّة البرد ؛ لأنّه أمر وجوديّ يصلح لأن يكون علّة لإحداث حرج ما ، ولكن ترك الحرام لا يمكن عادة أن يحدثه لكونه عدميّا.
نعم ، الذي يمكن تصوّره في المحرّمات هو أنّ مخالفتها قد تكون رافعة للحرج ، كما في مثال إساغة اللقمة في الخمر ، ولها قواعدها الخاصة.
والحقيقة أنّ قاعدة (لا حرج) ناظرة إلى رفع الحرج ابتداء ، وتلك ناظرة إلى رفعه بعد وجوده ، وهو لا يتحقّق إلّا بمخالفة الحرام ، أي أنّ ارتكاب المحرّم قد يرفع الحرج بعد حدوثه.
وعلى هذا فالمحرّمات تكون خارجة بالتخصّص ؛ ولذلك خصّها الشارع بفحوى قاعدة مستقلّة يأتي الحديث عنها إن شاء الله تعالى. (١)
نعم ، لو أمكن أن نتصوّر أنّ ترك محرّم ما ـ وهو عدم ـ يمكن أن يكون علّة في إحداث حرج ما ، يكون ذلك مشمولا للقاعدة ، إلّا أنّنا لا نتصوّره في جلّ المحرّمات ، فهي إذا خارجة عن هذه القاعدة تخصّصا.
نعم ، إنّ بعض المحرّمات يعلم أنّ الشارع لا يريد أن تقع ؛ لما فيها من مفاسد كالزنا ، وقتل النفس المحترمة ، وشرب الخمر ، فلا يعقل أن تنالها أدلّة الحرج. (٢)
__________________
١ ـ وهي قاعدة «الضرورات تبيح المحظورات». يأتي الحديث عنها في صفحة ٢٠٦.
٢ ـ راجع : رسالة في نفي العسر والحرج للآشتياني : ٢٤٢.