وعقّب كل من تأخّر عن الشيخ من تلامذته على هذا الرأي بأنّه لا حكومة بين القاعدتين (١) ، وإنّما هما في رتبة واحدة ، وكلاهما ناظر للأدلّة الأوّلية ومقدّم عليها تقديم حكومة وغلبة ، وأمّا فيما بينهما فلا.
وقد ذكر الشيخ مثالا لتقريب وجهة نظره مفاده : إذا كان تصرّف الجار في ملكه ـ والحكم الأوّلي هنا جواز التصرف بمقتضى قاعدة السلطنة ـ يتسبّب عنه ضرر للجار ، فهو إذا مورد (لا ضرر) ، كما أنّ منعه عن ذلك التصرّف يسبّب له حرجا ، فيكون موردا ل (لا حرج) فيتعارضان (٢) ، فأيّهما يقدّم؟
ولكن التدقيق في المثال يجلّي لنا بعض الالتباس عند ما نتذكّر أنّ العامّين من وجه هما عبارة عن العنوانين المستقلّ كلّ منهما عن الآخر ، إلّا أنّه من باب الاتّفاق قد يلتقي فيهما العنوانان فيكون هذا ذاك ، وذاك هذا ، كالعالم والفاسق ، اللذان يجتمعان في زيد ـ مثلا ـ فيكون هو عالما وهو نفسه فاسق.
والأمر في مثالنا ليس بهذه الصورة ، لأنّ مورد (لا ضرر) هو نفس التصرّف ، ومورد (لا حرج) هو ليس نفس التّصرّف ، وإنّما موردها هو عدم التصرّف ، والشيء وعدمه ليسا من موارد العموم من وجه في شيء.
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أيّ القاعدتين تقدّم في مقام العمل؟
الظاهر ـ بل المتعيّن ـ أنّ التصرّف نفسه هو موضوع (لا ضرر) ، وهو المقدّم باعتباره ناشئا عن مقتضى الدليل الأوّلي في المورد ، وباعتبار حدوث الضرر للجار بسبب إجازة الشارع لهذا التصرّف فيكون الحكم الضرري ـ الجواز ـ منتفيا بمقتضى (لا ضرر) ويكون مرفوعا ، فإذا رفع جواز التصرّف ، تسبّب عن رفعه حرج للمكلّف.
وبعبارة أوضح : نتيجة لإعمال قاعدة (لا ضرر) وما يتولّد عنها وهو رفع الجواز ،
__________________
١ ـ انظر : رسالة في نفي العسر والحرج : ٢٥٨ ، ومنية الطالب ٣ : ٤٣٠.
٢ ـ فرائد الأصول ٢ : ٤٦٧.