وبالجملة : يظهر أنّ مثل هذا الحكم وما يجري مجراه ليس عن حسّ وشهود ، بل مستنده الحدس والاستنباط ، وقراءة المتون والروايات ، والسماع من المشايخ الثقات ، مع لحاظ قناعاتهم وخلفياتهم الفكرية التي تميل إلى جانب التشديد غير العلمي على الرواية والرواة ، ومثل هذه الشهادة لا تكون حجة لا في التضعيف ولا في التوثيق.
نعم ، نحن في الوقت الذي نقول بهذا ، لا نستبعد أن يكون الغلاة قد وضعوا أخبارا دالّة على جزئية الشهادة تلك في الأذان ، وأنّ الشيخ الصدوق رحمهالله قد سمعها منهم ، فيكون ما قاله رحمهالله قد صدر منه عن حسٍّ ويقين ، فلو ثبت هذا الاحتمال فنحن نتبرأ ممن يضع الأخبار على لسان الأئمّة ويزيد في الأذان ما ليس فيه ، وهذا ما سنوضّحه أكثر عند دراستنا لكلام شيخنا الصدوق لاحقا إن شاء اللّه تعالى (١).
قرّر المحدّثون من أهل قم إقصاء من يروي عن الضعفاء ومن يأتي بالمراسيل ، مع أنّ الرواية عن الضعفاء لا تقتضي تضعيف الراوي ولا تضعيف الرواية بنحو مطلق عند جميع المحدّثين سنة وشيعة ، وأنّ رواية الثقات عن كثير من الضعفاء وحتّى المنتحلين للمذاهب الباطلة ممّا لا يكاد يدفعه أحد ، وكذا اعتماد المراسيل فإنّها مسألة اجتهادية قد بحثت في كتب علمي الدراية واصول الفقه.
قال الشيخ الطوسي في أول الفهرست : إنّ كثيرا من مصنّفي أصحابنا ، وأصحاب الأُصول ، كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة ، وإن كانت كتبهم
__________________
(١) انظر صفحة ٢٤٥ إلى ٢٨٢.