البشر لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، وهؤلاء الأئمة قالوا عن أنفسهم : « لا ترفعوا البناء فوق طاقتنا فينهدم ، اجعلونا عبيدا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم » (١) وفي آخر : « لا تتجاوزوا بنا العبودية ، ثم قولوا فينا ما شئتم ، ولن تبلغوا ، وإيّاكم والغلوّ كغلو النصارى فإنّي بريءُ من الغالين » (٢) ، وهو مقام لا يمكن لأحد أن يصل إليه ويعرف كنهه ، فإنّ الشيخ هو الذي روى لنا صحيحا ، حديثَ : « إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلاّ ملك مقرَّب أو نبي مرسل أو عبد امتحن اللّه قلبه للإيمان أو مدينة حصينة » (٣).
وبعد كل هذا نقول : يمكننا بناءً على كلّ ما تقدّم الأخذ بمرسلة الصدوق بعنوان أنّها تتضمّن الشهادة بالولاية وأنّها محبوبة ذاتا بنحو عامّ ، كما جزم به رحمهالله في قوله : « ولا ريب في أنّ عليّا ولي اللّه حقا » ، لا بعنوان أنّها مستند للجزئية.
وكذا يمكننا اعتبار هذه الصيغ التي أتى بها الشيخ الصدوق إحدى الأدلّة على محبوبية الشهادة الثالثة في الأذان لا على نحو الجزئية ، وذلك لموافقتها مع سيرة المتشرّعة من عصر الرسول إلى عصرنا الحالي (٤) وامضاء المعصوم لها ـ أي الإمام الحجة عليهالسلام ـ.
وأن أخذُنا بالصيغ التي ذكرها الصدوق يبتني على المحبوبية الذاتية القربة
__________________
(١) بصائر الدرجات : ٢٦١ / ح ٢٢.
(٢) تفسير الإمام العسكري : ٥٠ ، الاحتجاج للطبرسي ٢ : ٢٣٣ ، بحار الأنوار ٢٥ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ / ح ٢٠ / باب نفي الغلو ، عنهما.
(٣) الامالي : ٥٢ / ح ٦ ، الخصال : ٢٠٨ / ح ٢٧ ، معاني الاخبار : ١٨٨ / ح ١ / باب معنى المدينة الحصينة ، وفيه : أن أبا عبداللّه سُئل عن معنى لمدينة الحصينة ، فقال عليهالسلام : هو القلب المجتمع. قال المجلسي : المراد بالقلب المجتمع : القلب الذي لا يتفرق بمتابعة الشكوك والأهواء ، ولا يدخل فيه الأوهام الباطلة ، والشبهات المضلة ... ، بحار الانوار ٢ : ١٨٣ ، ذيل الحديث الأوّل من الباب السادس والعشرين.
(٤) حيث كانوا يأتون بها تفسيرا للحيعلة الثالثة ، ولمجيئها في شواذ الأخبار على نحو التفسيرية كذلك.