لكن هنا سؤال يطرح نفسه ، وهو : كيف تكون الحيعلة الثالثة حثا على الولاية ودعوة إليها ، في حين نعلم أنّ جملة « حيَّ على خير العمل » ليس لها ظهور في الولاية ، بل ظاهرها يشمل كلّ عمل صالح من صلاة وغيرها.
الجواب :
إنّا لو ألقينا نظرة سريعة إلى أسباب النزول لاتّضح لنا جواب هذا السؤال وغيره ، إذ من المعلوم أنّ الصحابة كانت لهم مصاحف وقراءات مختلفة ، والبعض
منهم كان يدرج شأن النزول مع الآية ، والآخر يذكر تفسيرها ـ من المعصوم ـ معها ، وثالث يأتي بها بصورة ثالثة ، فمثلاً جاء عن جابر بن عبداللّه الأنصاري ، قال : سمعت رسول اللّه قرأ ( فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ ) ، فقال : بعلي بن أبي طالب (١).
وعن شقيق ، قال : قرأتُ في مصحف عبداللّه بن مسعود ( إِنَّ اللَّهَ أصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ ) وآل محمد ( عَلَى ألْعَالَمِينَ ) (٢).
وعن زبيد اليامي ، عن مرّة ، قال : كان عبداللّه بن مسعود يقرأ ( وَكَفَى اللَّهُ ألْمُؤْمِنِينَ ألْقِتَالَ ) بعليّ ( وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّا عَزِيزا ) (٣).
وفي مصحف عائشة وحفصة وأُم سلمة ، وأُبيّ ، وابن عمر ، وابن عباس أنّهم قرؤوا الآية ( حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ ألْوُسْطَى ) هكذا : ( حافظوا على
__________________
(١) المحرر الوجيز ٥ : ٥٦. وانظر تفسير النيسابوري ٦ : ٩٣ ، من سورة الزخرف : الآية : ٤١.
(٢) العمدة : ٥٥/ ح ٥٥ ، شواهد التنزيل ١ : ١٥٢ / ح ١٦٥ ، وقرا بمثلها ابن عباس كما في شواهد التنزيل ١ : ١٥٣ / ح ١٦٦ ، من سورة آل عمران : الآية ٣٣.
(٣) شواهد التنزيل ٢ : ٧ / ح ٦٣٠ ، ٦٣١ ، ٦٣٢ ، بطرق عديدة ، الدر المنثور ٦ : ٥٩٠ ، قال : أخرجه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر عن ابن مسعود. ومثله عن ابن عباس ، انظر شواهد التنزيل ٢ : ١٠ / ح ٦٣٣ ، وجاء أيضا من طريق زبيد اليامي عن مرة ، عن ابن مسعود ، كما في : تاريخ دمشق ٤٢ : ٣٦٠ ، الاكمال ٧ : ٥٣ ، سورة الاحزاب : الآية ٢٥.