ريب في أنَّ الصلاةَ خيرُ موضوعٍ ، إلاّ أنّه متى اعتقد المكلّف في ذلك أمرا زائدا على ما دلَّت عليه هذه الدلالة من عددٍ مخصوص ، وزمانٍ مخصوص ، أو كيفيّة خاصة ؛ ونحو ذلك ، ممّا لم يقم عليه دليل في الشريعة ، فإنَّه يكون محرَّما ، وتكون عبادته بدعة ، والبدعيّة ليست من حيث الصلاة ، وإنَّما هي من حيث هذا التوظيف الذي اعتقده في هذا الوقت ، والعدد ، والكيفية ، من غير أن يَرِدَ عليه دليل (١).
وهذان النصّان صـريحان في بدعية أي عمل يُؤتى به بقصد التشريع ولم يكن موظَّفا قبل ذلك في الشرع ، لأن الأُمور العبادية هي أُمور توقيفية لا يصحّ الأخذ بها إلاّ بنص من الشارع ، ولا يصحّ الزيادة والنقصان فيها بأيّ حال من الأحوال ، أمّا لو أتى بعملٍ طبق رواية غير معمول بها أو قل ضعيفة ، أو أتى بها بقصد القربة المطلقة ، أو للعمومات الواردة من قبل الشارع ، أو اتى بها على أنّها عمل مستحب ـ له دليله ـ ضمن عمل مستحب اخر لا على نحو الجزئية فلا يسمى هذا بابتداع ، لأنّ المكلّف كان في عمله هذا قد اتبّع دليلاً عامّا أو كنائيا (٢) أو مستحبا له دليله الخاص ضمن المستحب أي انه اتبع نصا ودليلاً أو اعتمد واجتهد طبق مبنى ، خصوصا لو صَرَّح الإنسان بأ نّه لا يأتي بالشهادة الثالثة مثلاً على أنّها من أصل الأذان ، بل للعمومات الواردة في الولاية ، لاقتران الشهادات الثلاث معا في جميع المشاهد وعلى لسان الرسول والأئمة ، ولوحدة الملاك بين النداء باسم علي في السماء مع النداء باسمه في الأرض ، ولرجاء المطلوبية ، ولكون ذكر علي عبادة وما يشابهها. إذ لكل هذه الامور ادلة من الشرع ، فالمؤمن لو اتى بالشهادة الثالثة طبقا لهذه الاخبار لم يكن مأثوما لان عمله جاء عن دليل لا راي ، فيجب ان يبحث عن
__________________
(١) الحدائق الناضرة ٦ : ٨٠.
(٢) هذا ما سنبحثه بعد قليل تحت عنوان الدليل الكنائي : ١٥٧.