وإذا كان كذلك وقف العلم بالقطع على الأفضل على سمع وارد به ، لأنّه لا مجال للعقل فيه ، وعلى هذا لا يصح الرجوع في إثبات الأفضل إلى عدّ الفضائل ، لأنّ تلك الأفعال تختلف مواقعها بحسب ما ينضاف عليها من النيّات والقصود ، وذلك مما هو عنّا مغيب ، فلا يمكن القضاء بفعل أحد والقطع على ثوابه فضلا عن تفضيله على غيره ، فيجب الاعتماد في ذلك على السمع ، فلهذا رجع الشيخ أبو عبد الله إلى خبر الطير ، لأنّه قد دلّ بظاهره على ثبوته أفضل في الحال ، وكل من أثبته في تلك الحال أفضل قضى باستمرار هذه القضية فيه ، وهكذا خبر المنزلة لأنّها إذا لم يرد بها ما يتّصل بالإمامة فيجب أن نريد به الفضل الذي يلي هارون فيه موسى عليهماالسلام ، وأراد بعضهم إثباته في غالب الظنّ بالرجوع إلى أمارات مخصوصة من نحو ما انتشر عنه من الزّهد والعبادة والعناء في الحرب والسبق إلى الإسلام وغير ذلك ، فهذا غير ممنوع ، وإليه ذهب بعض الشيوخ الذين آثروا الموازنة ... ».
فظهر من هذا الكلام أنّ الشيخ أبا عبد الله البصري يرى ثبوت حديث الطير ، ويعتقد بدلالته على أفضليّة أمير المؤمنين عليهالسلام.
كما أن قاضي القضاة عبد الجبار نفسه يرى صحّة حديث الطير أيضا فقد قال ابن شهر آشوب : « قال القاضي عبد الجبار : قد صح عندي حديث الطّير ، وقال أبو عبد الله البصري : إن طريقة أبي علي الجبائي في تصحيح الأخبار يقتضي القول بصحة هذا الخبر ، لا يراده يوم الشورى فلم ينكر أحد » (١).
أقول : وجاء في كتاب ( المغني ) ما نصّه : « فصل ـ فيما يدلّ قطعا على أنّ أمير المؤمنين أفضل : قد استدلّ شيخنا أبو عبد الله على ذلك بأمور ، واستدلّ بها الإسكافي ، لكنّه في نصرته بلغ ما لم يبلغه ، فمن ذلك قوله عليهالسلام ـ وقد أهدي إليه طير مشوي ـ : اللهم أدخل إليّ أحبّ أهل الأرض إليك يأكل
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٨٢.