للطيران وكسا (١) ( كسي ) كله الريش ليتداخله الهواء فيقله (٢) ولما قدر أن يكون طعمه الحب واللحم يبلعه بلعا بلا مضغ نقص من خلقة الإنسان وخلق له منقار صلب جاسي يتناول به طعمه فلا ينسحج (٣) من لقط الحب ولا يتقصف (٤) من نهش اللحم ولما عدم الأسنان وصار يزدرد الحب صحيحا واللحم غريضا (٥) أعين بفضل حرارة في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ واعتبر ذلك بأن عجم العنب (٦) وغيره يخرج من أجواف الإنس صحيحا ويطحن في أجواف الطير لا يرى له أثر ثم جعل مما يبيض بيضا ولا يلد ولادة لكيلا يثقل عن الطيران فإنه لو كانت الفراخ في جوفه تمكث حتى تستحكم لأثقلته وعاقته عن النهوض والطيران فجعل كل شيء من خلقه مشاكلا للأمر الذي قدر أن يكون عليه ثم صار الطائر السائح في هذا الجو يقعد على بيضه فيحضنه أسبوعا وبعضها أسبوعين وبعضها ثلاثة أسابيع حتى يخرج الفرخ من البيضة ثم يقبل عليه فيزقه الريح لتتسح حوصلته للغذاء ثم يربيه ويغذيه بما يعيش به فمن كلفه أن يلقط الطعم والحب يستخرجه بعد
__________________
(١) في الأصل كتبت بالالف المقصورة وهي خطأ.
(٢) يقله : يحمله ويرفعه.
(٣) ينسحج : أي ينتشر.
(٤) يتقصف : أي يتكسر.
(٥) الغريض : كل ابيض طري.
(٦) عجم العنب : ما كان في جوف العنب من النوى الصغير.