الغلة الكثيرة وبها يسقط عن الناس في كثير من البلدان مئونة سياق الماء من موضع إلى موضع وما يجري في ذلك بينهم من التشاجر والتظالم حتى يستأثر بالماء ذو العز والقوة ويحرمه الضعفاء ثم إنه حين قدر أن ينحدر على الأرض انحدارا جعل ذلك قطرا شبيها بالرش ليغور في قعر الأرض فيرويها ولو كان يسكبه انسكابا كان ينزل على وجه الأرض فلا يغور فيها ثم كان يحطم الزروع القائمة إذا اندفق عليها فصار ينزل نزولا رقيقا فينبت الحب المزروع ويحيي الأرض والزرع القائم.
وفي نزوله أيضا مصالح أخرى فإنه يلين الأبدان ويجلو كدر الهواء فيرتفع الوباء الحادث من ذلك ويغسل ما يسقط على الشجر والزرع من الداء المسمى باليرقان (١) إلى أشباه هذا من المنافع فإن قال قائل أوليس قد يكون منه في بعض السنين الضرر العظيم الكثير لشدة ما يقع منه أو برد (٢) يكون فيه تحطم الغلات وبخورة يحدثها في الهواء فيولد كثيرا من الأمراض في الأبدان والآفات في الغلات قيل بلى قد يكون ذلك الفرط لما فيه من صلاح الإنسان وكفه عن ركوب المعاصي والتمادي فيها فيكون المنفعة فيما يصلح له من دينه أرجح مما عسى أن يرزأ في ماله!.
__________________
(١) اليرقان ـ بفتحتين او فتح فسكون ـ آفة للزرع او دود يسطو على الزرع.
(٢) البرد ـ بفتحتين ـ : ماء الغمام يتجمد في الهواء البارد ويسقط على الأرض حبوبا.