الغنى والفقر والعافية والبلاء ليست بجارية على خلاف قياسه ، بل قد تجري على ذلك أحيانا والأمر المفهوم.
فقد ترى كثيرا من الصالحين يرزقون المال لضروب من التدبير وكيلا يسبق إلى قلوب الناس أن الكفار هم المرزوقون ، والأبرار هم المحرومون فيؤثرون الفسق على الصلاح وترى كثيرا من الفساق يعاجلون بالعقوبة إذا تفاقم طغيانهم وعظم ضررهم على الناس وعلى أنفسهم كما عوجل فرعون (١) بالغرق وبختنصر (٢) بالتيه وبلبيس (٣) بالقتل وإن أمهل بعض الأشرار بالعقوبة وأخر بعض الأخيار بالثواب إلى الدار الآخرة لأسباب تخفى على العباد لم يكن هذا مما يبطل التدبير فإن مثل هذا قد يكون من ملوك الأرض ولا يبطل تدبيرهم بل يكون تأخيرهم ما أخروه وتعجيلهم ما عجلوه داخلا في صواب الرأي والتدبير وإذا كانت
__________________
(١) قصة غرق فرعون في البحر معروفة في الكتب المقدّسة ، والقرآن الكريم يشير إليها في أكثر من موضع واحد.
(٢) او نبوخدنصر كان أعظم ملوك الكلدانيين ، وملك في بابل من سنة ٦٠٤ الى سنة ٥٦١ ق م وقد وصف بالقوة والبأس وعد من أبطال التاريخ في الشرق ، وجاء ذكره في التوراة كثيرا لأنّه عاقب الأمم الغربية عقابا شديدا ، وهاجم اليهود ـ سكان مملكة يهوذا الصغيرة ـ هجوما صاعقا بعد ان أجلى أكثرهم الى بابل ودمر عاصمتهم اورشليم تدميرا شديدا.
(٣) بلبيس كذا في الأصل وهو غير معروف عند المؤرخين ، ولم نجده فيما بين ايدينا من الكتب.