فجعلوا هذا دليلا على أن كون الأشياء ليس بعمد وتقدير بل بالعرض كيف ما اتفق أن يكون وقد كان أرسطاطاليس (١) رد عليهم فقال إن الذي يكون بالعرض والاتفاق إنما هو شيء يأتي في الفرط مرة لأعراض تعرض للطبيعة فتزيلها عن سبيلها وليس بمنزلة الأمور الطبيعية الجارية على شكل واحد جريا دائما متتابعا
وأنت يا مفضل ترى أصناف الحيوان أن يجري أكثر ذلك على مثال ومنهاج واحد كالإنسان يولد وله يدان ورجلان وخمس أصابع كما عليه الجمهور من الناس فأما ما يولد على خلاف ذلك فإنه لعلة تكون في الرحم أو في المادة التي ينشأ منها الجنين كما يعرض في الصناعات حين يتعمد الصانع الصواب في صنعته فيعوق دون ذلك عائق في الأداة أو في الآلة التي يعمل فيها الشيء ، فقد يحدث مثل ذلك في أولاد الحيوان
__________________
(١) ارسطاطاليس لفظة يونانية معناها محبّ الحكمة ويقال ارسطو وهو احدى الشخصيات العالمية التي اشتهرت منذ قرون بعيدة ، كان تلميذا لأفلاطون بعد ان خلفه على دار التعليم عند غيبته الى صقلية نظر في الفلسفة بعد ان أتى عليه من العمر (٣٠) عاما. كان بليغ اليونانيين واجل علمائهم ، كما كان من ذوي الأفكار العالية في الفلسفة ، ويعرف بالمعلم الأول لانه أول من جمع علم المنطق ورتبه واخترع فيه ، وقد عظم محله عند الملوك حتّى ان الاسكندر الأكبر كان يمضى الأمور عن رأيه ، عاش سبعا وستين سنة ، بعد ان توفى في خلكيس عام ٣٢٢ قبل الميلاد ، وله كتب كثيرة في مختلف فروع العلم.