فانظر كيف جعل لكل واحد من هذه الأفعال التي بها قوام الإنسان وصلاحه محركا من نفس الطبع يحركه لذلك ويحدوه عليه
واعلم أن في الإنسان قوى أربعا قوة جاذبة تقبل الغذاء وتورده على المعدة وقوة ماسكة تحبس الطعام حتى تفعل فيه الطبيعة فعلها وقوة هاضمة وهي التي تطبخه وتستخرج صفوه وتبثه في البدن وقوة دافعة تدفعه وتحدر الثفل (١) الفاضل بعد أخذ الهاضمة حاجتها .. ففكر في تقدير هذه القوى الأربع التي في البدن وأفعالها وتقديرها للحاجة إليها والإرب فيها وما في ذلك من التدبير والحكمة فلو لا الجاذبة كيف كان يتحرك الإنسان لطلب الغذاء الذي به قوام البدن ولو لا الماسكة كيف كان يلبث الطعام في الجوف حتى تهضمه المعدة ولو لا الهاضمة كيف كان ينطبخ (٢) حتى يخلص منه الصفو الذي يغذو البدن ويسد خلله (٣) ولو لا الدافعة كيف كان الثفل الذي تخلفه الهاضمة يندفع ويخرج أولا فأولا أفلا ترى كيف وكل الله سبحانه بلطف صنعه وحسن تقديره هذه القوى بالبدن والقيام بما فيه صلاحه .. وسأمثل لك في ذلك مثالا : إن البدن بمنزلة دار الملك له فيها حشم (٤) وصبية
__________________
(١) الثفل هو ما يستقر في اسفل الشيء من كدرة.
(٢) انطبخ مطاوع طبخ تقول طبخ اللحم اي أنضجه.
(٣) الخلل جمع خلة ـ بالفتح ـ وهي الثقبة.
(٤) الحشم : الخدم والعيال او من يغضبون له او يغضب لهم من اهل وعبيد وجيرة.