الحج الذي هو بمثابة مؤتمر إسلامي جماهيري سنوي ، يؤدي فيه المسلمون فريضة الحج ، ويتداولون فيه شؤون وشجون العالم الإسلامي.
من هذا المنطلق ، توجه الحسين عليهالسلام إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين للهجرة ، فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوال وذي القعدة. وأخذ خلال هذه المدة يبث فيها دواعي نهضته ويبين حقانية موقفه ، كما قام بفضح السلطة اليزيدية القائمة ، وكشف للملأ بأنها سلطة استبدادية وغير شرعية تقوم على مرتكزات انتهازية ومصلحية وقمعية ، وغدت أحاديثه على كل شفة ولسان ، وتركت آثارها على الرأي العام الإسلامي آنذاك ، فثارت ثائرة السلطة الحاكمة ، وأرادت بشتى السُبل احتواء وتحجيم ومن ثم إسكات الصوت الحسيني الهادر.
وحينما أدرك الإمام عليهالسلام ببصيرته وخبرته بأن السلطة تريد التخلص منه بمختلف الحيل ولو بالقتل في جوف الكعبة ، فخاف على حرمة الكعبة وقدسيتها من أن يُراق دمه فيها ، لذلك قرر الخروج من مكة قبل إكمال مناسك الحج ، فكان لخروجه المفاجى ء صدا إعلاميا كبيرا في أوساط المسلمين ، حتى أنه عليهالسلام لمّا سار نحو العراق ونزل بالثعلبية أتاه رجل من الكوفة يكنى ابا هرة الازدي ، فسلم عليه ثم قال : يا ابن رسول اللّه ، ما الذي أخرجك عن حرم اللّه وحرم جدك رسول اللّه صلىاللهعليهوآله ؟!. فقال الحسين عليهالسلام : « ويحك يا أبا هرة ، إن بني أمية أخذوا مالي فصبرت ، وشتموا عِرضي فصبرت ، وطلبوا دمي فهربت ، وايم اللّه لتقتلني الفئة الباغية » (١).
__________________
(١) اللهوف / السيد ابن طاوُس : ٤٣.