المذبحة في كربلاء ، فهو شاهد عيان ، قال : « صحبت الحسين من المدينة إلى مكة ، ومن مكة إلى العراق ، ولم أفارقه حتى قتل ، وسمعت جميع مخاطباته الناس إلى يوم مقتله ، فواللّه ما أعطاهم ما يتذاكر به الناس من أنه يضع يده في يد يزيد ، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين ، ولكنه قال : دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه ، أو دعوني أذهب في هذه الأرض العريضة حتى ننظر إلامَ يصير إليه أمر الناس ، فلم يفعلوا » (١).
إن هذه المحاولة فشلت في تحقيق نجاح يذكر بعد أن تصدى شهود العيان لدحضها وتكذيبها.
والمحاولة الثانية هي تصوير الحسين وأنصاره للرأي العام بأنهم خوارج ، أو أنهم بغاة خرجوا على الشرع والشرعية المتمثلة بيزيد بن معاوية ، وتمرَّدوا على إمامهم ، وشقوا عصا الطاعة ، وشتَّتوا الجماعة. ولقد حاول ابن زياد منذ وصل إلى الكوفة وباشر بقمع حركة مسلم بن عقيل ، أن يترك في أذهان الناس انطباعا بأن الحركة هي من صنع الذين خرجوا على الشرعية. ولاشك في أن المساعي المبذولة لطبع ثورة الحسين بهذا الطابع قد غدت أكثر جدّيَّة وكثافة لأجل تطويق ردود الفعل السلبية لدى الجماهير. ولم تفلح هذه المحاولة في كسب تصديق الجماهير ، وبدلاً من أن توضع ثورة الحسين خارج الشرعية ، فقد وضع النظام الأموي برمته خارج الشرعية ورفضته أعداد متزايدة من الناس بعد أن وعت بفعل
__________________
(١) البداية والنهاية / ابن كثير ٨ : ١٩٠ ، دار إحياء التراث العربي ، ط ١ ـ ١٤٠٨ه.