الشعر كوسيلة إعلامية عبّر من خلاله عن مكنون نفسه وشكواه من أهل زمانه ، وكشف بواسطته عن عزمه على مواجهة الحقيقة المرّة ، المتمثلة بشهادته المحققة ، بعد أن أدرك بأنه يخوض معركة خاسرة من الناحية العسكرية الصرفة ، ولكنها سوف تحقق نصرا مبدئيا مؤزرا بعد حين ، وعندها سيُعاد للحق مكانته ويخسر الباطل جولته ، وهو ماحصل بالفعل بعد شهادته.
وتجدر الإشارة إلى أن الرّوايات قد تواترت على أن الحسين عليهالسلام كان ينشد الشعر ولكن لأغراض الحكمة ، يقول الأديب الكبير عباس محمود العقاد : « ولخبرته بالكلام وشهرته بالفصاحة ، كان الشعراء يرتادونه وبهم طمع في إصغائه أكبر من طمعهم في عطائه » (١).
فيما تقدم استعرضنا الأساليب الإعلامية الرئيسية ، التي اتبعها الإمام الحسين عليهالسلام من أجل إظهار دعوته وسحب البساط الإعلامي المتهرى ء من تحت أرجل أعدائه الذين صوروا للرأي العام بأنه طالب ملك ، وأنّ غايته من ثورته ليست دينية إسلامية عامَّة وإنما هي غاية شخصية ، وعندما يئس من تحقيق هدفه أبدى استعداده للخضوع والتسليم.
وتعكس هذا المظهر رواية ورد فيها « أن الحسين قال لعمر بن سعد : إذهب بي إلى يزيد أضع يدي في يده ». والذي يدلّ على كذب هذا الخبر مارواه كثير من المؤرخين الأثبات عن عقبة بن سمعان ، وكان مولىً للسيدة الرباب زوجة الإمام الحسين وهو من الرجال القليلين الذين سلموا من
__________________
(١) المجموعة الكاملة لأعمال العقاد ـ الحسين عليهالسلام أبو الشهداء ٢ : ١٩٤.