ولكن الحسين عليهالسلام في موقف آخر يعزو أخذ العيال معه وفق نظرة غيبية بحتة ، وفقا للمشيئة الإلهية ، وذلك لما «أراد العراق قالت له أمّ سلمة : لا تخرج إلى العراق ، فقد سمعت رسول اللّه صلىاللهعليهوآله يقول : يقتل ابني الحسين بأرض العراق وعندي تربة دفعها إليّ في قارورة. فقال : « واللّه إنّي مقتول كذلك ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلونني أيضا ، وإن أحببت أن أُريك مضجعي ومصرع أصحابي. ثمّ مسح على وجهها ، ففسح اللّه في بصرها حتى أراها ذلك كلّه ، وأخذ تربة فأعطاها من تلك التربة أيضا في قارورة أخرى ، وقال عليهالسلام : فإذا فاضتا دما ، فاعلمي أنّي قد قتلت. فقالت أمّ سلمة : فلمّا كان يوم عاشوراء نظرت إلى القارورتين بعد الظهر فإذا هما قد فاضتا دما ، فصاحت » (١).
وبطبيعة الحال لا تكون الإرادة والمشيئة الإلهية بدون حِكم بالغة ، بعضها يتصل بالحسين عليهالسلام من أجل تكريمه ، ورفعه إلى الدّرجات السامية التي لا تنال إلاّ بالشهادة الدامية ، والبعض الآخر منها لكشف معدن أعدائه ، ولكي يدرك القاصي والداني بأن هؤلاء من أهل الأهواء والمصالح ، وبعيدون ـ كل البعد ـ عن جوهر الدّين.
ولعلّنا لا نغالي إذا قلنا بأن الحسين عليهالسلام ـ بعد أن استلم الأمر الإلهي ـ أصبح شعلةً من حركة لا تخمد ، ولم يلتفت إلى النصائح والدعوات التي انهالت عليه من القريب والبعيد ، محاولةً ثنيه عن عزمه ، وكانت بالحسابات الدنيوية قد تتّصف بشيء من الواقعية ، فهو يتحرّك مع قلّة
__________________
(١) الخرائج والجرائح / الراوندي ١ : ٢٥٤ / الباب الرابع.