العدد والعدّة ، ويأخذ ـ مع ذلك ـ معه أطفاله وعياله ، ويتّجه إلى بلد كالعراق متعدّد الأعراق والفِرق ، ويتكوّن من فسيفساء عجيبة من الاتجاهات المتناقضة والمتنافرة ، وأهله ـ أهل الكوفة ـ كانوا آنذاك خليطاً عجيباً متناثراً من البشر ، يُوصمون ـ من قبل الغير ـ بالغدر ، وقد غدروا بأبيه وأخيه من قبل ، وإن كانوا ـ على وجه العموم ـ من أعوان أهل البيت ومواليهم. زد على ذلك فان العراق بلد تتشكّل جغرافيته من سهول ممتدة ، وليس فيه جبال وعرة ، ونتيجة لذلك ، فلا يمتاز بالأمن والمنعة للحسين عليهالسلام ، فهو لا يصلح لحرب العصابات كبلاد اليمن. كل هذه الأسباب قد تضفي بعض المصداقية على تلك الدعوات المخلصة التي حثّت الإمام الحسين عليهالسلام على استكشاف خياراته على ضوء معطيات الواقع. ولكن الإمام عليهالسلام خرج بوعيه من قفص الواقع وحساباته المادية البحتة ، التي يدركها جيدا ، ولكنه استشف آفاق أوسع من كل ذلك ، هي آفاق الغيب والشهادة التي تسمو على الحسابات المادية الآنية.
ومن مصاديق ذلك : « أنّ محمّد بن الحنفية لما بلغه أن أخاه عازم على الخروج من مكّة إلى العراق ... صار إلى أخيه الحسين عليهالسلام في الليلة التي أراد الحسين عليهالسلام الخروج في صبيحتها عن مكّة. فقال له : يا أخي ، إنّ أهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك ، وقد خِفتُ أن يكون حالك كحال من مضى ، فإن رأيت أن تُقيم ، فانّك أعزّ مَن في الحرم وأمنعه. فقال الحسين : يا أخي ، قد خِفتُ أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم ، فأكون الذي يُستباح به حرمةُ هذا البيت. فقال له ابنُ الحنفية : فان خِفتَ ذلك فصِرْ الى اليمن أو بعض نواحي البرّ ، فإنك أمنع الناس به ، ولايقدر عليك