في سويداء قلبه ، لأن العيون لدى الشدائد شاخصة إلى قائدها ، فإن بدا عليه لائحة حزن عمّ الغم وضعفت المعنويات وخارت العزائم ، مع ذلك فإن ثلّة من الملتحقين به بدأوا بالتخلي عنه إيثارا للراحة وطلبا للعافية.
يذكر الشيخ المفيد قدسسره أنه لما تناهي لهم في منطقة زبالة خبر مقتل مسلم ( سلام اللّه عليه ) أخرج الإمام الحسين عليهالسلام للناس كتابا فقرأه عليهم ، وجاء فيه :
« بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أمّا بعد فإنّه أتانا خبر فظيع؛ قتل مسلم بن عقيل ، وهانئ بن عروة ، وعبداللّه بن يقطر ، وقد خذلنا شيعتنا ، فمن أحبّ منكم الإنصراف فلينصرف غير حرج ، ليس عليه ذمام » (١).
بعدها دعا الحسين عليهالسلام أصحابه للتفرُّق ، وبيّن لهم أن طرق النجاة مفتوحة أمامهم ، وليست هذه المرّة الأولى التي يطلب فيها الحسين عليهالسلام من أصحابه بالتفرُّق عنه ، فقد جدَّد ذلك الطلب قبل معركة عاشوراء ، عندما جمع قواته وقال لهم : « ان القوم يطلبونني ولا يريدون بدلاً عني » وطلب منهم أن يتخذوا من اللَّيل جملاً ليستر انسحابهم ويحفظ ماء وجوههم ، قال لهم : « .. فجزاكم اللّه جميعا عني خيرا ، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سواد هذا الليل ، وذروني وهؤلاء القوم ، فإنّهم لا يريدون غيري .. » (٢). فتفرَّق
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ٧٥.
(٢) اللهوف : ٥٥.