ليكونوا في مستوى الأحداث ، واتبع معهم سياسة المكاشفة والمصارحة التي يُعبر عنها حاليا في العلوم السياسية بـ ( الغلاسنوست ) ، كان يطلعهم على الموقف أولاً بأول ، ويرصد ويحلل كل شاردة وواردة فيما يتعلق بقضيتهم ، ويبين لهم ماذا يحمل رحم الأيام القادمة من أحداث جسام حبلى بها ، وأبقى أمامهم كل أبواب النجاة مفتوحة على مصراعيها ، ولكن مع ذلك نجد أن الأصحاب يوصدون جميع تلك الأبواب ، ويتمسكون بقيادة إمامهم الحسين عليهالسلام ، ويوطنون أنفسهم على الموت دونه. واكتفي ـ في هذه الفقرة ـ بهذا الموقف ، وذلك حينما طلب الحسين القائد من أصحابه التفرق عنه ، لأن القوم لا يريدون غيره ، قام سعيد بن عبد اللّه الحنفي ، فقال : « لا واللّه يا ابن رسول اللّه ، لا نخذلك أبدا حتى يعلم اللّه أنا قد حفظنا فيك وفيه رسول اللّه محمد صلىاللهعليهوآله . ثم قال : واللّه ، لو علمت أني أُقتل فيك ثم أُحرق ثم أذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرّة ما فارقتك حتى ألقي حِمامي دونك » (١).
وقال زهير بن القين : « واللّه يا ابن رسول اللّه لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرّة ، وان اللّه يدفع بذلك القتل عن نفسك » (٢).
ونفس الموقف أفصح عنه مسلم بن عوسجة ، قال : « أنخلِّي عنك ولمّا نُعذِرْ إلى اللّه سبحانه في أداء حَقِّك؟! أما واللّه حتى أطعن في صدروهم برمحي ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح
__________________
(١) روضة الواعظين : ١٨٤.
(٢) روضة الواعظين : ١٨٤.