وأبشري. وكان الحسين محتبيا بسيفه ، وقد خفق برأسه ، فسمعت أختهُ الصيحة ، فدنتْ من أخيها ، فقالت : يا أخي ، أما تسمع الأصوات قد اقتربت؟ فرفع الحسين عليهالسلام رأسه ، فقال : إنّي رأيتُ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله الساعةَ في المنام ، فقال لي : إنّك تروح إلينا. فلطمت أخته وجهها ، ونادت : بالويل!! فقال عليهالسلام : ليس لك الويل يا أخية. اسكتي رحمك اللّه » (١).
علما بأن الحسين عليهالسلام جاء ـ قبل خروجه إلى مكّة ـ إلى قبر جدّه رسول اللّه صلىاللهعليهوآله فصلّى عند القبر ركعات ، ثم قال : « اللّهم إنّ هذا قبر نبيّك محمّد ، وأنا ابنُ بنت نبيّك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت. اللّهم ، إنّي أُحبّ المعروف وأنكر المنكر ، وأنا أسألك يا ذا الجلال والإكرام بحقّ القبر ومن فيه إلاّ اخترت لي ما هو لك رضا ولرسولك رضا ». وجعل يبكي حتى إذا كان قريب الصباح وضع رأسه على القبر ، فأغفى ، فاذا هو برسول اللّه صلىاللهعليهوآله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وشماله وبين يديه ، فضمّ الحسين عليهالسلام إلى صدره ، وقبّل مابين عينيه وقال : « حبيبي يا حسين ، كأني أراك عن قريب مرمّلاً بدمائك مذبوحا بأرض كربٍ وبلاء من عصابةٍ من أُمتي ، وأنت مع ذلك عطشانُ لا تُسقى ، وظمآنُ لا تُروى ، وهم مع ذلك يرجُونَ شفاعتي يوم القيامة ، وما لهم عند اللّه من خَلاق. حبيبي يا حسين ، إنَّ أباك وأمك وأخاك قدموا عليّ ، وهم مشتاقون إليك ، وإنّ لك في الجِنان لدرجاتٍ لن تنالها إلاّ بالشهادة ».
فانتبه الحسين عليهالسلام من نومه فزعا مرعوبا ، وقصّ رؤياه على أهل بيته
__________________
(١) الارشاد ٢ : ٨٩ ـ ٩٠.