بالرّضا والتسليم للظروف والعوامل الموضوعية ، لماذا؟ .. لأنه يعيش ظروفا معنوية عالية. إنه موحّد للّه عقيديا وعمليا ، وعابد وساجد للّه » (١).
هذا الثبات المنقطع النظير هو ثمرة يانعة من ثمار العبادة والصلاة اللتين جعلتا وجهه يتلألأ كالبدر كلما سقط شهيد جديد من أهل بيته أو أصحابه ، حتى ان هذا الأمر قد أذهل أعداءه وكانوا يتجنّبون التقرّب إليه لشدّة سطوع الأنوار المنبعثة من محيّاه وقسمات وجهه ، وكان وجهه يزداد إشراقا كلما ازدحمت الخطوب وتكاثر الأعداء المحيطون به. حتى أن أحدهم أبدى دهشته وإعجابه بقوله : « واللّه ما رأيت مكثورا قط قُتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا ، ولا أمضى جَنانا منه عليهالسلام ، إنْ كانت الرّجّالة لتشدُّ عليه فيشدُّ عليها بسيفه ، فتنكشف عن يمينه وشماله انكشاف المِعزى إذا شدَّ فيها الذئب » (٢).
أجل كان رابط الجأش ، علما بانه كان يقاتل وهو في أشد حالات العطش. ما هو السر يا ترى؟. لا يمكن تفسير ذلك وفق المقاييس المادية ، وانما يمكن إرجاعها إلى الزخم المعنوي الهائل الذي يحصل عليه الحسين عليهالسلام من خلال جسر الصلاة التي أخذت تُغذي بمائها المعنوي عروقه اليابسة وشفاهه الذابلة ، كما يُغذي ماء الحياة العود اليابس.
خصوصا وانه لم ينس أو يتناس الصلاة ، حتى في أحرج ساعاته قدوة بأبيه علي عليهالسلام الذي لم يؤخر صلاته المفروضة في أحرج ساعات الحرب ،
__________________
(١) انظر : الملحمة الحسينية / الشهيد مرتضى المطهري : ٣ / ٢١.
(٢) الإرشاد ٢ : ١١١.