شعر معاوية نفسه ، ومن هنا جاء أمره بشتم الوصي عليهالسلام على منابر المسلمين ، وانتهى الأمر بأخذه البيعة إلى مثل يزيد الفاسق الفاجر الملعون.
وهكذا كانت السقيفة البوّابة الطبيعية التي نفذ منها يزيد إلى الملك العضوض. وما كان الإمام الحسين عليهالسلام ليقف مكتوف الأيدي أمام هذا التحدّي الخطير الذي أطاح بكلّ ما تبقى من قيم الإسلام ومثله ، وما كان عليهالسلام ليستسلم أمام محاولة معاوية بجعل المنهج الأموي بديلاً عن الإسلام ، ومن هنا ولدت نهضة الحسين عليهالسلام لتدين لها كلّ المواقع المشرقة في تاريخ الإسلام لأنّها هي التي صنعت بالدماء الزاكيات تاريخا جديدا له.
لقد تجسّد الإسلام كلّه في نهضة الحسين ، واجتمع الحقّ كلّه في ثورته على الطغاة المردة ، حتى صارت تلك الثورة الحمراء القانية رمزا لكلّ حركة حرّة ترفض الضيم والخضوع للظلم والاستعباد والاضطهاد ، وصارت شعارا لكلّ الثورات الإسلامية التي لا ترى حرمة وقدسية لكلّ حاكم مستبد مزيّف ما لم يلتزم الإسلام عقيدة ونظاما ، وكانت فتحا جديدا بكلّ مقاييس الرسالة ، ولهذا قال مفجّرها العظيم : ومن تخلّف عني لم يبلغ الفتح.
وهكذا استطاعت تلك الملحمة الحسينية أن تحقّق أهدافها الرسالية وبأكثر من اتّجاه وصعيد ، حيث أيقضت روح المقاومة لدى المسلمين فكانت الثورات والانتفاضات الشعبية التي قادها العلويون تترى للإطاحة بعرش الطاغوت.
كما بعثت نهضة سيد الشهداء عليهالسلام من جديد قيم الرسالة ومفاهيم الإسلام التي طُمِست وطواها النسيان ، وماكان الإسلام ليصل موقعه الذي نرى لولا تلك النهضة ، حيث أعادت للدين الحنيف قوّته بعد احتضاره ، واستطاعت بكلّ فخر أن تعرّي الواقع التاريخي المزيّف المتخم بالمؤامرات ضدّ آل محمّد صلىاللهعليهوآله والخطط المتراكمة في إقصائهم ما سالموا ، وتصفيتهم ما قاوموا باعتبارهم قطب الدين الأوحد وقادته وحماته ، وأيقضت الأمّة من سباتها ونبّهتها على أنّه لا حرمة في القاموس الأموي لأي دم في الإسلام ولو كان الدم دم الحسين عليهالسلام ، على أنّ الشجرة الملعونة قد حاولت ـ قبل ذلك ـ سفك دم الوصي علي عليهالسلام ، وسعت ـ من قبل ـ إلى إراقة دم النبي صلىاللهعليهوآله .
والكتاب الماثل بين يديك عزيزي القارئ قد جاء مبيّنا لبعض أبعاد النهضة الحسينية وأسبابها ونتائجها بعبارة مشرقة ، ومنهج علمي ، متضمّنا الكثير من المواقف النادرة والحقائق التاريخية سواء تلك التي سبقت النهضة أو تزامنت معها.
آملين أن يزيد في وعي الأمّة بتاريخها ، وما يتطلّبه حاضرها من السير في ركب الحسين وآل الحسين عليهمالسلام لبناء مستقبلها بناء إسلاميا بعيدا عن الذلّ والهوان وقدسية الحاكم المستبد.
واللّه الهادي إلى سواء السبيل
مركز الرسالة